تحمل ثنايا وجهه تفاصيل الزمن الجميل وتروى ابتساماته أسطورة عشقه للفراعنة وللتاريخ، عدد كبير من الصور الفوتوغرافية لمشاهير العالم وخطابات شكر معلقة كالشواهد على جدران أقدم بازار فى مصر، بازار مرسى الجابرى أشهر تاجر عاديات فى مصر.
ولد الجابرى فى 24 يناير عام 1924، تحمل تفاصيل قصة حياته فصول رحلة شاقة وفى محطاتها نجاحات وإخفاقات. ظل الرجل على مثابرته واستمر على صبره حتى احتل قمة صناع العاديات بخان الخليلى، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة اتحاد الغرف السياحية وحصل على 25 شهادة تقدير دولية ومحلية من زعماء وملوك ورؤساء العالم، تقديراً منهم للفن الرفيع الذى تتمتع به منتجاته. وحصل كذلك على تقدير الرئيس السادات والرئيس مبارك، ونال التقدير من الرئيسين الأمريكيين ريجان وكارتر وكلاهما أشاد بهذا الرجل وحرصه على تطوير صناعة العاديات فى مصر.
اليوم السابع كان لها حوار خاص جداً مع الجابرى أو "عم مرسى"، كما يناديه مرتادو بازاره ..
احكى لنا يا عم مرسى أين ولدت وإلى أين وصلت فى التعليم؟
أنا طلعت فى أسرة بسيطة فى شبرا، ولما كبرت أكملت دراستى فقط حتى الثانوية العامة ولم أكمل دراستى الجامعية لضيق ذات اليد.
كم عمرك يا عم مرسى؟
84 سنة، أنا من مواليد 24 يناير سنة 1924.
كنت بتحلم تكمل تعليمك؟
طبعاً، ياما حلمت أدخل الكلية الحربية، بس ظروف أسرتى ما سمحتش إلا بالثانوية وكان لازم أشتغل، وبحثت عن عمل عشان أكمل حياتى، وعملت حامل حقائب بفندق "شيبرد" القديم بشارع الجمهورية، فكانت الخطوة الأولى للعمل فى مجال السياحة، وفضلت أشتغل فى الفندق دون كلل أو ملل.
كيف أصبحت أكبر تاجر للآثار والعاديات فى خان الخليلى؟
أنا اشتغلت فى الفندق لحد ما حوشت مبلغ 80 جنيهاً زادوا حتى وصلوا إلى 300 جنيه، واشتريت بها محلاً أبيع فيه منتجات خان الخليلى اليدوية، لكنى كنت على موعد مع القدر.
كيف؟
بعد ما أجرت المحل وبدأت أبيع والرزق يمشى، حصل صاحب البيت على قرار إزالة للمنزل.. وهنا سقط حلمى مع انهيار المنزل. ولكن أنا لا أعرف اليأس وواصلت حياتى، نقلت بضاعتى لبيتى واشتريت شنطة أشيل فيها البضاعة ولفيت محافظات مصر.
هل تتذكر الناس الذين تعرفت عليهم فى رحلاتك عبر محافظات مصر؟
أذكر عم محروس تاجر "الأنتيكات" فى أسيوط وكرمه معى، كان لما الرجل ده يشوفنى يقول لى تعالى يا ابنى خد نفسك بس واستريح، وكنت لما أحاول أقوم عشان أمشى يطلب منى الانتظار ويشترى جزءاً كبيراً من بضاعتى ويقول: بس كل لقمة وقوم هتلحق القطر إن شاء الله.
متى انتهت علاقتك بـ"شنطة البضاعة" وأصبحت صاحب بازار؟
فى عام 1959 انتهت علاقتى بالحقيبة وأعلنت حريتى بشراء محل فى أرقى أحياء القاهرة بمنطقة جاردن سيتى، على بعد أمتار من متحف الآثار المصرية، ليبدأ الفصل الثالث من رحلتى بتأجيرى المحل بمبلغ 250 جنيهاً، دفعت منها 200 جنيه وبقى على 50 جنيهاً وأخذت زوجتى وأبنائى وذهبت بنفسى أجهز المحل ولم أتردد أن أنظف المحل من القمامة بنفسى حتى مر صاحب العقار ورآه فاحترم طموحى وأعفانى من الـ50 جنيهاً المتبقية، وبعد إعداد وتجهيز هذا المحل بدأت رحلة العمل والعطاء والإنتاج، ودارت حركة البيع والتصدير للخارج.
هل تذكر أول مبيعاتك فى المحل؟
كان أول مبيعاتى بـ 305 جنيهات لمواطن مازلت أتذكر اسمه "سالم محمد سالم".
ما أهم محطات حياتك؟
محطتى التالية، تحولى من مستأجر للمحل إلى مالك له ثم حصولى على أول ترخيص فى مصر بالنسبة للشركات العاملة فى بيع منتجات خان الخليلى، واخترت له اسم "بازار الكرنك"، بعدها اتسعت أنشطتى وافتتحت فرعاً آخر للمحل بالهرم، وكنت أحرص دائماً على توفير المنتجات التى يطلبها السائحون على اختلاف أذواقهم ورغباتهم حتى وصلت صادراتنا من "الأنتيكات" إلى كل دولة فى أوروبا وأمريكا.
مكتبك تملؤه شهادات التقدير والصور الفوتوغرافية وخطابات من شخصيات عالمية، كيف تعرفت بكل هؤلاء؟
الشهادات دى حصيلة عمرى من الذكريات والتعب والسعادة، أنا لفيت العالم، فأنا أعشق السفر، وفعلاً وجدت فيه سبع فوائد فما زالت أدراج مكتبى تحمل الكثير من الخطابات والمراسلات بينى وبين شخصيات عالمية، وتحمل بينها رائحة الأيام الخوالى التى قضيتها بالقرب من الآثار، عشقى الأول والأخير، فأنا شاركت فى عديد من المعارض الدولية فى اليابان وأستراليا وألمانيا وبريطانيا والبحرين وجنوب أفريقيا، لفيت العالم حاملاً تراث بلدى الحقيقى، فالأثر عندى ليس قطعة حجارة، وإنما تاريخ تخبرك به كل قطعة.
عمرك 84 سنة، يعنى مررت بكل الحركات السياسية التى شهدتها مصر؟
عندما كنت ألف محافظات مصر كان الفدائيون وعمليات المقاومة فى أوجها، ولأن سفرى عرفنى بناس كتيرة وسفرياتى مكنتش للشغل بس، ولكن لأنى مصرى وبحب بلدى، كان عندى حب أن أحرر تراب بلدى من الخونة، فكم مرة كانت شنطة البضاعة ستاراً لتمرير أسلحة وأوراق لعمليات فدائية، وانتفض قلبى من الفرح حين أعلنت ثورة يوليه وبكيت فرحاً بالنصر ولم يشغلنى أى نشاط سياسى عن حلمى.
ما دور المرأة فى حياتك؟
أنا عرفت أجمل الجميلات وكانت بعضهن تأتى إلى مصر خصيصاً لرؤيتى، لكن امرأة واحدة هى من خطفت قلبى وظلت رفيقة لدربى وهى أم أولادى.
أراك تحترم القطعة الأثرية وتعاملها وكأنها أحد أولادك، ماذا تشكل لك القطعة الأثرية؟
أمسك بقطعة أثرية مقلدة ورفعها بيده لعينيه وتعلو وجهه ابتسامة تقدير للفنان المصرى، الذى استطاع أن يجسد حياته ويجعل من الأحجار سطوراً تروى تاريخ فراعنة استطاعوا، رغم الزمن الطويل أن يحتفظوا بتاريخهم دون زيف أو خداع. ويقول: كل قطعة تحمل ملامح حضارة كاملة وتفاصيل يومية بدءاً من الحلى وأدوات الزينة ووصولاً إلى الأهرامات.
مرسى الجابرى: "عشقى لروح الأثر خلانى ألف بيه العالم"
الأربعاء، 18 يونيو 2008 09:56 ص