تتميز مدينة أخميم بصعيد مصر بمعالم عديدة من أشهرها "مركز فتيات أخميم" التابع لجمعية الصعيد للتنمية والتربية، والذى أكسب المدينة الصغيرة لقب "مانشستر الشرق"، بعد أن اتسعت شهرتها فى مجال صناعة المنسوجات فى العالم الغربى.
يقول المهندس نادر حسنى مدير قطاع التنمية بجمعية "الصعيد للتنمية والتربية"، "الست الصعيدية تقدر تطلع جواهر"ولا تحتاج موهبتها الفطرية إلا إلى بعض التشجيع لتنطلق ملكاتها الإبداعية. أروع ما تقدمه نساء أخميم من لوحات من وحى خيالهن، يخترن القماش وألوان الخيط ويرسمن أحلامهن على لوحات تمثل العالم الجميل الذى يتمنين العيش فيه.
تتأمل اللوحات وتحاول فك رموز المعادلة الصعبة لهذا الإنتاج المبهر متسائلا، كيف للمرأة التى تعيش القهر فى كل لحظة من حياتها أن تنتج لوحات، تحمل هذا الكم من الألوان المبهجة التى تبعث السرور والتفاؤل فى كل من يراها ؟، وتتوصل لحل اللغز عندما تكتشف أن الفتاة فى أخميم تحيا من خلال اللوحة التى ترسمها، ترسم الدنيا التى تريدها وتعيش فيها.
كل لوحة من اللوحات تحمل حدثا معينا يمزج ما بين الواقع والخيال، ففى رحلة لأبو قرقاص طلبت الفتيات الفنانات مايوهات ليسبحن بها، وفوجئ المهندس نادر حسنى بهن ينزلن المياه بملابسهن كاملة فسألهن، لماذا طلبتن المايوهات إذن، فردت عليه إحداهن "نرتدى المايوهات بالفعل تحت ملابسنا"، وتحقق حلمهن فى ارتداء المايوه من خلال اللوحة التى صورت الفتيات وهن ينزلن البحر بالمايوهات، والشاطئ خال تماما من أى رجل.
40 فنانة لكل واحدة منهن أسلوبها الخاص الذى يميزها، وإن كن يجمعهن حب إبراز شخصياتهن داخل اللوحات المختلفة. شيرين سمير 25 سنة أصغر فنانة فى أخميم، بدأت ترسم لوحات فى أوقات الفراغ، خطوط بسيطة تخطها باستخدام الطباشيرالأبيض لتبدأ فى وضع لمساتها من الخيوط الملونة، خصوصا اللون الأخضر بجميع درجاته وتنتج لوحة أقرب ما تكون إلى الطبيعة الخلابة.
مريم عزمى وهى كبيرة فنانات أخميم، بدأت عملها فى المركز وعمرها لا يتجاوز الثانية عشر من عمرها، ذلك المكان الذى عبرت عن انتمائها له من خلال لوحة تبرزالمركز بكل تفاصيله، فهو مكان مفتوح تتوسطه شجرة جميز كبيرة جسدت فيها شخصيات الفتيات اللاتى يعملن فى المركز بتفاصيلهن الدقيقة.
ولا تخلو أى لوحة من لوحات فتيات أخميم من مشهد الكنيسة وهى تجاورالجامع، وهى الصورة التى نقلتها الفتيات عن الواقع،"عندنا مسلم ونصرانى بنشتغل كلنا إيد واحدة". فالعمر الطويل الذى قضته الفتيات معا، مزج بينهن وكأنهن خطوط تشكل لوحة واحدة، يقلن "دخلنا المركز مع بعض وكبرنا لحد مابقينا جدات".
تتذكر مريم عزمى ملامح رحلة طويلة مليئة بالصبر على التعلم والمحاولة، لم تشعر خلالها بالسنوات التى مرت عليها وهى منشغلة بلوحاتها، و تقول "طارت السنين منى فى الشغل من غير ما أعمل أى حاجة تانية"، واليوم تقدم مريم تجربتها للأجيال الجديدة فتراجع أعمال الفتيات، وتسدى لهن النصائح ليقدمن لوحات تعكس أحلام فتيات يعشن داخل لوحات من خيالهن.
