فتح خالد صلاح ملفا جديرا بالاهتمام ... ملف الهوية بمعناها السياسى والاقتصادى والاجتماعى وليس بمعناها الجغرافى الحداثى ... وأيضا ليس بمعناها التقليدى القائم على العناصر البائدة كاللغة والدين والتاريخ المشترك وغير ذلك ... حاول فتح الأبواب الموصدة بطرح الأسئلة التى – ربما - تكون قادرة على ذلك وكأنه يترجم مقولة أندريه ﭽيد العبقرية حينما قال .. "وحدها هى الأسئلة التى ترى .. أما كل الإجابات فعمياء" ... نعم الأسئلة هى القادرة على اكتشاف الأزمات أما الإجابات المرسلة والمستنسخة والجاهزة والمعلبة والتى هى مزيج من خلطات اصطناعية فهى المعطلة لحل الأزمات، عكس ما يعتقد من يروجونها أنها القادرة على الحل... الأسئلة التى طرحها خالد صلاح ... هى أسئلة هوية ومعتقد – بالمعنى السياسى والاجتماعى والاقتصادى – هذا الوطن ... هوية السياسات العامة للوطن ... والتى لخصها هل عقيدة الدولة ساداتية أم ناصرية ، اشتراكية أم ليبرالية ...الخ،
ومعنى ذلك أن الإجابات التى كانت سائدة ملتبسة وأجابت عن أسئلة خاطئة، وبالتالى فكانت عمياء ... كيف يتسنى لوطن فى الألفية الثالثة أن تطرح فيه هذه الأسئلة البسيطة – والعميقة – السبب فى رأى واعتقد فى رأى الكثيرين ممن ينتمون للدولة المدنية الحديثة بمعاييرها المتعارف عليها، أنها الغوغانية وثقافات القبائل التى حكمت تطورنا طوال الستين سنة الأخيرة ... إضافة إلى ميليشيات التناقض، فكتاب الوطن "أى الدستور" وهو المحدد والمشكل والمقنن لهوية الوطن – أى وطن – لم يستطع أن يحل هذه التناقضات .. فسؤال خالد صلاح فى مقاله بالمصرى اليوم فى 28مايو 2008 بعنوان "ناصرية ... ساداتية... إسلامية .. اشتراكية" .. عن من نحن وماذا نريد؟ هو عصب الدستور، فإذا كان واضحا محددا فالإجابة ستكون سهلة وليست عمياء ... ودعوته لإجراء حوار وطنى من نوع مبتكر، أتصور أنه حوار حول ما الذى يحكمنا، وليس من يحكمنا، ما الذى نريده، وليس ما أردناه، ما الذى نبتغيه، وليس ما فرض علينا، ما الذى نريده من عقيدتنا السياسية، وليس من قادتنا السياسيين ... هذه الأسئلة تضاف لأسئلة خالد صلاح والإجابة تكمن فى طيات الأسئلة ..
نريد دستورا مدنيا كاملا شاملا مانعا لأية التباسات ومحددا شافيا للمفاهيم والمصطلحات ... نريد حوارا جادا من كل القوى السياسية حول كنه هذا الدستور الذى يشكل رواق هذا الوطن وخرسانته، دستورا مدنيا شاملا ... ويتم الاتفاق على توجهات مصر "أى هويتها" السياسية والاقتصادية والاجتماعية" بلا مواربة أو خداع أو نصوص مطاطة جوفاء ... وأن يكون الحوار جادا بلا أدلجة سياسية وبلا اعوجاج وبلا التباس فى المفاهيم، فليست الليبرالية هى التوحش والاحتكار والارتماء فى أحضان الغرب وبيع الأوطان، كما أن الاشتراكية ليست الاستبداد والديكتاتورية وسرقة جهود المبتكرين والمبدعين، وليس الدين هو دين الأغلبية، فالأوطان لا تحكمها الأديان، قدر احتكامها للمبادئ التى تحدد توجهاتها لصالح كافة المواطنين .... وكفانا تشويه واستلاب لهوية مصر الحقيقية، هوية المدنية، وهوية التواصل مع الحضارات الراقية المنتجة، هوية طلق الإبداعات والحريات، هوية المجتمع المفتوح لكل مواطنيه بلا تمييز أو اضطهاد هوية الديمقراطية كأساس لتماسك البنيان الاجتماعي، هوية إطلاق العنان للحريات الفردية وإعلاء سقف هذه الحريات بلا خجل أو مراقبة أو اختراق، هوية اللا طوارئ ... فكفانا استلاب طوال الستين عاما الماضية ...
فمنذ العام 1948 وتستلب هوية الوطن المدنى وتستبدل بهويات تنطلق من أيديولوجيات لأصحاب الياقات البيضاء الحاكمين، فيخلع الملك فاروق على نفسه لقب خليفة المسلمين، وتزداد طائفة الإخوان فاشية وتصدر أيديولوجياتها لتصبغ بها الوطن المصرى، ثم تأتى رجالات يوليو العظام ويحددوا مبادئهم الستة بين إقامة كذا وكذا وكذا، والقضاء على كذا وكذا وتكون النتيجة ألا تقام أية من المبادئ بل تم نقيضها ولم يتم القضاء على كذا أو كذا بل تمت تنميتهم، بدء من القضاء على الاستعمار وأعوانه وانتهاء بإقامة حياة ديمقراطية سليمة ... وتم تشويه الدستور المصرى الذى رسم ملامح هوية مصر الوطنية فى 1923 بعد التعديلات والإضافات التى مرت وشوهت مدنية مصر وهويتها، وصار الوطن يحمل دينا بدلا من أن يحمل سياقا مدنيا محددا، متصورين أن وطن بلا دين هو وطن كافر، لذلك حددوا هويته على أساس دينى، ثم بعد ذلك راحت تتأرجح مصر بين اشتراكية ناصر المزعومة وليبرالية ما بعد ناصر الناقصة والملتبسة ... وأخيرا .. أشكر الزميل خالد صلاح على طرحه للأسئلة المضيئة، متمنيا ألا نجيب إجابات عمياء ...
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة