أسرته أثارت شكوكاً فى نعيه والتزمت الصمت:

اليوم السابع تحقق فى الوفاة الغامضة للمستشار عزت العشماوى

الثلاثاء، 06 مايو 2008 10:27 ص
اليوم السابع تحقق فى الوفاة الغامضة للمستشار عزت العشماوى منزل المستشار العشماوى
تحقيق: خالد ناجح ـ سحر طلعت- وائل ممدوح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
علامة استفهام كبيرة فجرها النعى الذى نشرته أسرة المستشار أحمد عزت العشماوى بجريدة "الأهرام" فى ذكرى الأربعين، بما يحمله من إيحاءات تشير إلى مقتله أو "استشهاده"، عبر استخدامها الآيه الكريمة "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" فى صدر النعى، وآية القصاص الشهيرة: "وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِىْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".

نعى الجدل
نعى صفحة الوفيات الذى تسبب فى موجة كبيرة من الجدل فى مختلف وسائل الإعلام، بما فيها منتديات ومواقع الإنترنت، بعد أن ربط الكثيرون بين نعى أسرة العشماوى وآخر قضية نظرها قبل وفاته وهى قضية أكياس دم شركة "هايدلينا"، والتى اتهم فيها الدكتور هانى سرور وشقيقته وبعض قيادات وزارة الصحة، والتى غاب عنها العشماوى بعد الجلسة الخامسة لتدهور حالته الصحية، إلا أن هذا الجدل لم يترجم ـ حتى الآن ـ بشكل رسمى، بفتح تحقيق حول ظروف وملابسات الوفاة أو بتشريح جثمان المستشار الراحل، خاصة أن أسرته لم تطالب بذلك رسمياً حتى الآن، رغم أنهم المتسببون فى هذا الجدل من البداية.

"الجزار" هو اللقب الذى يطلقه المحامون والمتهمون على المستشار العشماوى الذى كان يعقد جلساته فى دار القضاء العالى، والسبب أن الرجل كان صارماً وحازماً خاصة فى قضايا الفساد الشهيرة التى نظرها طوال رئاسته للدائرة "19 جنايات"، الدائرة الأشهر بين دوائر الجنايات فى مصر. ومن أشهرها نواب القروض وحزب التحرير الإسلامى والمبيدات المسرطنة.

غياب مفاجىء
قضية "هايدلينا" أثارت أيضاً الرأى العام، وانتظر الجميع أن يصدر المستشار العشماوى أحكاماً قاسية على المتهمين، وعلى رأسهم الدكتور هانى سرور عضو مجلس الشعب عن دائرة الظاهر وشقيقته نيفان سرور العضوة المنتدبة للشركة، و3 متهمين من قيادات وزارة الصحة، خاصة بعد أن فجر المستشار مفاجأة كبيرة بحبس جميع المتهمين على ذمة القضية فى الجلسة الثالثة، بعد أن كانت النيابة قد أفرجت عنهم بكفالة مالية، تمهيدا لإصدار الحكم النهائى.
مرض العشماوى الأخير لم يمكنه من استكمال جلسات هايدلينا، ليفاجئ الجميع بأن عضو اليمين فى الدائرة يترأس جلسة 13 يناير الماضى، وبندب قاضٍ آخر لاستكمال هيئة المحكمة، لتستمر الجلسات وحتى الجلسة النهائية التى صدر فيها الحكم ببراءة جميع المتهمين فى 15 أبريل الماضى.

المستشار الغامض
غموض "العشماوى" أمر اتفق عليه كل من يعرفه، ودلل عليه أحمد فهمى وأيمن عبد اللطيف سكرتيرا الجلسات المصاحبان له، بعد أن فوجئنا بأنهما لا يعرفان شيئاً تقريباً عنه، رغم أن عملهما يفرض عليهما التواجد لفترات طويلة معه، حتى أنهما لا يعرفان مثلاً مسقط رأس الرجل، واختلفا هل هو دمياط أم المنيا وربما البحيرة؟، وإن اتفق الجميع على إخلاصه وتفانيه فى العمل، وحبه الشديد للقضاء.

شهادات حية
اليوم السابع زارت شقة "العشماوى" فى شارع مراحق ابن عامر، المتفرع من شارع مراد بالقرب من ميدان الجيزة، العمارة اسمها "رءوف" ويعود تاريخ بنائها إلى عام 1950. عند المدخل يجلس شاب أسمر البشرة، هو ابن البواب، وكان بادى التوتر بعد أن توافد كثيرون عليه فى الأيام السابقة لسؤاله عن المستشار الراحل، دون أن يعرف سببا لذلك.

فى الدور الثالث توجد الشقة (رقم 4) التى عاش بها المستشار الراحل، طرقنا الباب عدة مرات، قبل أن نعرف أن العشماوى لم يكن متزوجاً. وكان يقيم مع شقيقه الدكتور هانى العشماوى، طبيب الأسنان، وكيل مستشفى السكة الحديد، الذى لم يكن متواجداً، فقد سافر ـ كما قال ابن البواب ـ فى زيارة قصيرة لبلدته بدمياط، ولكن المحامى نبيه الوحش أكد أن الدكتور هانى سافر إلى فرنسا لحضور مؤتمر طبى. الوحش قدم بلاغاً للنيابة زاعماً أن العشماوى قُتل رغم أنه، أى الوحش، ليس لديه أى توكيل من الورثة.

عم محمد، بواب العقار وهو سودانى الجنسية، رفض الإدلاء بأية معلومات عن المستشار الراحل. فالرجل الذى عاش فى مصر 45 عاماً قال: "إن أخلاقه لا تسمح له بإفشاء أسرار السكان".

لكن محمد وفيق حمدى، أحد سكان العمارة، تحدث عن "العشماوى" بعد أن عرف أن الهدف هو إعداد كتاب عنه. وقال: "كان أحسن قاض فى مصر". مضيفاً أن هناك من يكرهونه لأنه كان دائماً يقول الحق دون أن يخشى لوماً. وبحسم قال الجار: "من يقول خلاف ذلك كاذب ومفترى على الرجل".

محمد وفيق، جار قديم لعائلة العشماوى منذ أن كان يسكن بشارع (همدان) فى ذات المنطقة وكان زميلاً للعشماوى فى مدرسة السعيدية الثانوية قبل أن يلتحق بكلية الحقوق، بينما التحق هو بكلية التجارة. محمد قال "كان بيحب القضاء زى عنيه". واسترسل بفخر يتحدث عن أهم القضايا التى نظرها المستشار العشماوى، ثم يقطع كلامه مرة واحدة ليذكر تصميم العشماوى على استدعاء يوسف والى لسماع أقواله فى قضية المبيدات المسرطنة. ثم تدمع عيناه، ثم يعود مرة أخرى للكلام مؤكداً أن العشماوى كان شديد العصبية وإن كان شديد الطيبة فى الوقت نفسه وكان منغلقا على نفسه "لا يزور أحداً ولا يزوره أحد".

على الناصية المقابلة لعقار العشماوى يقع محل "صبرى بدوى" المكوجى، الذى أكد عدم وجود تعامل مباشر بينه وبين المستشار الراحل، إلا أنه كان يقوم بكى ملابسه، التى كان يحضرها البواب له، وكانت من النوع الفاخر والمستورد، مشيراً إلى حرصه الشديد على مظهره وعلى جودة كى الملابس، أو "الشغل" كما يصفها صبرى المكوجى بلغة المهنة.

"عم محمد" البواب اطمئن لنا قليلاً، فحكى عن طباع العشماوى الجادة وعاداته اليومية التى لا يغيرها، بدءاً بمواعيد ذهابه لعمله وركوبه سيارته التى يقودها بنفسه، ووصولاً إلى حراسته التى تم رفعها قبل فترة قليلة من مرضه الأخير.

هل كان لديه سيارة خاصة؟
عم محمد أجاب: "عنده عربية واحدة وكان بيحب يركبها وبيسوقها بنفسه، ولا يركب عربية المحكمة". سيارة المستشار "بيجو" رمادية تحمل لوحات محافظة الجيزة برقم 4116، ويزينها "بادج" ناى القضاة على زجاجها الأمامى، موجودة فى جراج العمارة بعد وفاة صاحبها، كما قال أحمد (عامل الجراج). ورغم أنه جديد فى هذا العمل، إلا أنه يتذكره جيدا، فقد تعامل معه مرات قليلة.

وائل العامل الأقدم فى الجراج كان قلقاً ومتشككاً من كوننا صحفيين. وسأل: عايزين إيه؟ واستأذن لدخول الحمام، ولم يعد وهو ما أكده أحمد زميله قائلاً: "مش هيرجع".

شىء من الخوف
"مستشفى الصفا" الذى شهد الساعات الأخيرة من حياة العشماوى، وهناك رفض موظف الحسابات أن يقول اسمه، ولكنه كان يعرف جيداً اسم المستشار رغم أن عملاء المستشفى كثيرين. ورفض الإدلاء بأية معلومات، وطلب استئذان الدكتور هانى شقيق المستشار، فهو ـ كما قال الموظف ـ يعرف كل شىء.

وشقيقه يمتنع
شقيق المستشار رفض ـ بعصبية على التليفون ـ مقابلتنا رغم وجوده فى مصر، كما رفض الإجابة على أى سؤال، فهذا حسب تأكيده قرار العائلة فى الوقت الحالى، وعاد وقال بعصبية أقل: لن نتحدث حالياً لأية وسيلة إعلامية. صمت شقيق المستشار العشماوى غريب وغير مفهوم خاصة أن العائلة التى قررت ألا تقول شيئاً لوسائل الإعلام، هى نفسها التى أثارت الرأى العام بطريقة نشر النعى. نبيه الوحش المحامى الذى تقدم ببلاغ إلى النائب العام برقم 8912، يطالب فيه باستخراج جثة العشماوى وتشريحها لبيان أسباب الوفاة، أكد أنه تقدم بهذا البلاغ بناء على طلب الدكتور هانى العشماوى، شقيق المستشار الراحل، فى اتصال هاتفى معه من فرنسا.
الوحش الذى لا يحمل توكيلاًً رسمياً من شقيق المستشار أو أى من أفراد العائلة قال إن د. هانى العشماوى صرح له بأن وفاة أخيه جنائية بسبب الأحكام القاسية، رغم عدالتها، التى كان يصدرها فى قضايا فساد ولذا تم رفع الحراسة عنه قبل الوفاة بعشرة أيام، وأعلن "الوحش" بأن الدكتور هانى العشماوى سيوكله رسميا فى قضية البحث عن قاتل شقيقه بعد عودته من الخارج الأسبوع المقبل!

فى انتظار النائب العام
وفاة المستشار العشماوى بالطريقة التى أعلنت عنها الأسرة فى النعى، وصمتها الغريب والمريب يطرح أسئلة كثيرة. الدكتور محمد بهاء الدين أبو شقة، الخبير فى القانون الجنائى، أكد أن وجود النعى وكتابته بتلك الطريقة يعد استشهاداً غير صحيح بآيات القرآن الكريم، وليس فى محله. فمن توفى هو أحد شيوخ القضاة المعدودين والمشهود لهم بالكفاءة، وإذا كانت الأسرة لديها شكوك فالطريقة الوحيدة المقبولة هى أن تتقدم ببلاغ للنائب العام للتحقيق. وأضاف أبو شقة: قانون الإجراءات الجنائية أورد فى مادتيه (الأولى والثانية) أن للنائب العام بالسلطات التى خولها له القانون يحق له الأمر بفتح التحقيق فى أية قضية يصل إليها علمه بأيه طريقة من طرق الاتصال. والاستثناء فقط فى قضايا مثل الزنا فلابد فيها من أن يكون هناك بلاغ رسمى من الزوج أو اتهام أحد القضاة.

نادى القضاة يتردد
المستشار، أشرف زهران، عضو مجلس إدارة نادى القضاة، لخص موقف النادى قائلاً: "لا نستطيع التحرك طالما لا يوجد بلاغ رسمى من أسرة المستشار العشماوى وإن كنا فى حيرة من أمرنا لعدم تقدم أحد من أسرته حتى الآن ببلاغ صريح يشكك فى الوفاة بدلاً من الإيحاء والالتفاف حول المعنى نفسه من خلال نعى غامض ليست له حجية قانونية". وأشار زهران إلى أنه لم يتقابل مع المستشار العشماوى يوماً، لكنه كان يسمع من شيوخ القضاة أنه شخصية حازمة وصارمة فى تعاملاتها ومعروف بالنزاهة والشرف.

زهران تحفظ فى التعقيب على ما فعلته أسرة العشماوى فى النعى، مؤكداً: نحن كأهل قانون لا نعترف إلا بالأدلة الملموسة، وغير ذلك فما يتردد من أن وفاته لها علاقة بتبرئة رجل الأعمال هانى سرور من قضية أكياس الدم الملوثة تعد من قبيل الشائعات التى لا ترقى للأخذ بها".

ومن جانبه أشار المستشار محمود مكى إلى أن نادى القضاة يجب أن يتخذ موقفاً عاجلاً وحاسماً للدفاع عن قضاته (مجموعات وأفراداً) من إبلاغ الجهات المسئولة للوقوف على حقيقة الأمر. لكن مكى أضاف سريعاً أن موقف أسرة المستشار الراحل غريب مما يضعف تحركنا الذى سيبدأ مع الإحساس بتقاعس النيابة العامة فى استخراج و تشريح الجثة لمعرفة أسباب الوفاة ما إذا كانت طبيعية أو جنائية.

وهانى سرور يختفى
حاولنا الاتصال بالدكتور هانى سرور رئيس مجلس إدارة شركة هايدلينا، الذى يتهامس البعض عن علاقته بوفاة المستشار العشماوى، قبل نطق الحكم فى قضيته، فأجابتنا رسالة البريد الصوتى "اترك رسالتك بعد سماع الصفارة".. ولم يتصل ولم نستطع الاتصال به بأية طريقة. وأكدت مصادر قريبه منه أن "سرور"يحرص على عدم الإدلاء بأى تصريحات لوسائل الإعلام، بناءً على نصيحة محاميه كى لا يتورط فى كلام يمكن أن يسبب له مشاكل وأزمات.

الطبيب المعالج ينفى
الدكتور مدحت عبد الخالق المعالج للمستشار العشماوى، أكد أن الوفاة كانت طبيعية نتيجة أمراض الشيخوخة والالتهابات المتكررة وحالة الضعف العام التى أصابته فى أيامه الأخيرة، واستبعد وجود أية شبهة جنائية تتعلق بوفاته.
د.عبد الخالق أستاذ الصدر بجامعة القاهرة، رأى المستشار العشماوى بعد أن وضعوه على جهاز التنفس الصناعى وعندما كشف عليه، كما قال، اكتشفت أنه يعانى فشلاً فى التنفس، وهذا الفشل ناتج عن ضعف العضلات العامة، ومنها بالطبع عضلات التنفس، كما أن المستشار العشماوى حدثت له جلطة فى المخ أضعفت مراكز التنفس. فقد كان العشماوى مصاباً بأمراض الشيخوخة لتقدمه فى السن (69عاماً)، وعانى التهاباً رئوياً ومشاكل فى البلع أدت إلى أن بعض أجزاء الطعام كانت تذهب إلى الجهاز التنفسى، بدلاً من الهضمى. واقترح الفريق الطبى المعالج للعشماوى، حسب تأكيد د.عبد الخالق، عمل شقين جراحيين الأول فى المعدة والثانى فى الحنجرة، والأخير وافقت الأسرة عليه ولم توافق على شق المعدة خوفاً من تدهور حالته.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة