قال لى صديقى المقيم فى الصين إن من يكسر إشارة المرور أو يضبط بدون حزام الأمان تحتجزه السلطات فى غرفة خاصة بها دائرة تليفزيون مغلقة تعرض عليه لساعتين متواصلتين تعليمات وإرشادات مرورية. وتعد هذه هى العقوبة المؤلمة لمن يرتكب جريمة مرورية. أما فى هولندا ودول أوروبا فلايدفع صاحب السيارة التى يمضى عليها عشرون عاما ومازالت جيدة أية ضرائب.
وفى مصر يخططون لسجن 100 ألف مواطن سنويا بتعديلات جديدة فى قانون المرور الملىء أصلا بالعقوبات التى لاتنفذ فى الأساس بسبب المحاباة والمحسوبية، فالسيارات التى تتعطل بشكل دورى فوق الكبارى تحتاج إلى فحص حقيقى وليس منطقيا ألا نقوم بالفحص، فنقرر فى التعديلات الجديدة إعدام السيارات التى يمضى على تاريخ إنتاجها عشر سنوات، إذ إن ذلك منطق معكوس وغير معمول به فى بلاد الوفرة .
أما السجن فى حالات حزام الأمان وعدم تجديد الرخصة والتهدئة على مطالع الكبارى والوقوف صف ثان وعشرات الحالات المشابهة والتى قدر ضحاياها خبراء فى المرور بسجن مائة ألف مواطن سنويا، فإن ذلك يعنى أن شعب مصر سيصبح كله داخل السجون فى غضون فترة زمنية ليست كبيرة .
إن القوانين تهدف فى الأساس إلى حماية الناس ومصالحهم وتنظيم حياتهم، أما نصوص التعديلات الجديدة فإنها توحى بحالة عدائية من المشرع وكأنه يخطط فقط إلى التخلص من الجماهير بسجنها تحت دعوى الانضباط الذى يمكن أن يتحقق فقط بضبط امبراطورية الميكروباص وسيارات النقل بالقانون الحالى وتحرير الجراجات التى استولى عليها البعض بالبلطجة وغياب القانون والحزم فى تطبيقه. فقادة السيارات لايضعون سياراتهم صفا ثانيا كنوع من الفنتازيا أو الاستعراض أو عشق المخالفات .
وحالة اللاانضباط القائمة إنما جاءت بسبب المحسوبية والرشوة وعدم الرغبة فى ضبط الأمور والترهل فى تنفيذ القانون الحالى الملىء بالعقوبات المشددة. ويكفى أن نعرف أن دخل مدينة امستردام وحدها من الجراجات يبلغ سنويا 8 مليارات يورو ولاتحصل على ربع هذا المبلغ من الغرامات المغلظة.
فإذا كان الهدف الحقيقى من التعديلات المطروحة للنقاش الآن هى ضبط الشارع المصرى فلنجرب الحسم الذى تستخدمه وزارة الداخلية والجهود المضنية التى تبذلها فى شهر رمضان على سبيل المثال مع وضع خطة استراتيجية لإنشاء جراجات ضخمة تهدف إلى الربح وحل الأزمة مع فحص السيارات بدقة بعيدا عن المحاباة وتطبيق مواد القانون على الكبير قبل الصغير. أما أن نهمل ونتكاسل ولانقوم بعملنا ونختار الطريق السهل لتعذيب هذا الشعب فهو أمر غير مقبول .
وتبقى قضية توفير مواصلات آدمية وإعادة الهيبة إلى مترو الأنفاق كما كان أيام الإدارة الفرنسية، فإن جانبا كبيرا من المواطنين لن يكون ضروريا استخدامهم لسياراتهم بدلا من هذا الهراء الذى جاءت به التعديلات الجديدة والتى تفرض على سائق التاكسى القادم من حلوان إلى القاهرة أو الذى يعبر كوبرى أكتوبر من الجيزة إلى القاهرة أو العكس أن يحصل على إذن من إدارة المرور للعبور إلى محافظة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة