من حسن الحظ أن إسرائيل لا تنصت دائماً إلى كل ما يقوله جورج بوش. فها هى تدخل فى مفاوضات مع سوريا، إحدى أبرز الدول المارقة التى عملت الإدارة الأمريكية على عزلها من أية محاولات لإقرار السلام فى الشرق الأوسط. لقد كان بوش على علم بهذه المفاوضات عندما قال فى الكنيست الإسرائيلى الأسبوع الماضى إن دعاة إجراء مفاوضات مع الدول والجماعات الإرهابية اليوم هم أشبه بالنازيين أمس. ومع ذلك، فإسرائيل الدولة، والحليف الأكبر لأمريكا، لم تدع مثل هذه المواقف تحول دون مسعاها لإبرام تسوية تراها تخدم مصالحها المباشرة فى المنطقة، دون أن تلتفت للصديق بوش الذى أعطى ظهره طيلة سبع سنوات لجهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعندما أفاق، قام بعقد مؤتمر "أنابوليس" الباهت، كما قاوم كل محاولات إحياء المسار السورى الذى بدأ بمفاوضات عام 2000، بل وعمل إراديا على عزل سوريا دوليا.
وقد تكون هناك أسباب تدعو للشك فى نجاح المفاوضات الراهنة. فرئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت فى وضع سياسى ضعيف وواقع تحت نير فضيحة فساد طالته هو شخصياً. وسوريا الآن أقرب لإيران من أى وقت مضى، كما يخشى كثيرون داخل إسرائيل من إعادة مرتفعات الجولان الاستراتيجية إلى سوريا. ولكن قد تسفر هذه المفاوضات عن نتيجة يصبو إليها الجميع، ألا وهى فسخ التحالف بين سوريا وإيران، وهذا فى حد ذاته نجاح يستحق المحاولة، وإن كنا لن نعرف مدى صحة هذا الطرح قبل أن يتم اختبار نوايا سوريا.
الجميع على ثقة بأن إسرائيل لن تقبل بتسوية مع سوريا لا تضمن الحد الأدنى من مطالبها، بما فى ذلك إنهاء علاقة دمشق بحزب الله وحماس وكف يدها عن لبنان.
أما ما قاله جورج بوش فهو النفاق بعينه، وذلك أن إدارته دخلت فى مفاوضات ناجحة مع ليبيا. وكانت من قبل على قائمة الدول الإرهابية، ومع كوريا الشمالية، التى لا تزال ضمن القائمة، كما أنها دخلت فى مفاوضات محدودة وغير ناجحة مع إيران حول دعم الأخيرة للمسيحيين، فضلاً عن أن إسرائيل أجرت مفاوضات غير مباشرة مع حماس بوساطة مصر لوقف إطلاق النار فى غزة.
والواقع أن سياسة بوش قوضت المصالح الأمريكية ووضعت واشنطن على هامش جهود التسوية فى الشرق الأوسط، فها هى الأزمة اللبنانية تحل بجهود عربية، فى تسوية أعطت لحزب الله حق الفيتو داخل الحكومة. وإذا كان بوش قد أصبح عقبة أمام الحلول الدبلوماسية، وإذا أصبح عاجزاً عن خوض هذا السبيل لحل المنازعات فى شهوره القليلة الباقية، فعليه على الأقل أن يفسح المجال للآخرين لينجحوا فيما فشل فيه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة