أتمنى أن يكون قادة الدول العربية قد شاهدوا تصريحات المواطنين أو انطباعاتهم عن القمة العربية الأخيرة التى انعقدت فى دمشق، وأن ينتبهوا إلى خطورة ما أوصلوا شعوبهم إليه، حيث كان هناك شبه إجماع على أن قمة دمشق مثلها مثل كل ما سبقها من قمم حصادها صفر زائد صفر..
وقد عايش جيلى انعقاد قمة تلو الأخرى، وبدأنا بتحرير كامل التراب الفلسطينى والتشديد على مركزية القضية الفلسطينية .. وبعد جهود القادة العرب بلغنا مرحلة النضج والواقعية، فأعلنا بأعلى صوت أننا نقنع بجلاء إسرائيل عن الأراضى المحتلة عام 1967، وأكدنا أنه لا تنازل عن هذا المطلب العادل والمتسق مع قوانين وقرارات الشرعية الدولية..
ومرت قمم بعدها قمم لنخرج عن إطار الشرعية الدولية و"سنينها" ونستبدلها بخارطة طريق سيد البيت الأبيض جورج بوش ورؤيته "النبوية " للدولتين! وقال وقتها رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون إنه لا خارطة ولا طريق، حيث وضع أربعة عشر شرطاً مضمونها هو تقريباً ما اتفق عليه قادة العرب فى أنابوليس الذى تكرم بوش بدعوتهم إليها فى ظل تعهده لإسرائيل بأن يحميها كدولة يهودية بكل ما يعنيه ذلك من عنصرية وحرمان فلسطينى عام 1948 من حقهم فى المواطنة بعد أن ضبطوا متسللين بالجرم المشهود، بأن يكونوا مسلمين ومسيحيين وليسوا يهوداً من شعب بوش المختار، وأيضاً إلغاء حق عودة فلسطينيى الشتات الذين هجرتهم إسرائيل إلى لبنان وسوريا والعراق ودول عربية أخرى وكذلك دول غربية .. وترفع إسرائيل بدعم أمريكى كامل شعار "توطين" الفلسطينيين فى الدول التى طردوا قسراً إليها، مع التأكيد فى كل يوم وعلنا على حق إسرائيل فى مواصلة اغتصاب أراضى من تبقى فى الضفة الغربية وإقامة مستعمرات يهودية عليها.
أما القدس، فإن رئيس الحكومة الحالى إيهود أولمرت يريد أن يعُلم الحاضر والغائب بأنها غير قابلة للتفاوض، خاصة أن الكونجرس الأمريكى وهو المجلس التشريعى "لدولة الراعى النزيه" قد أصدر قانوناً باعتبار القدس بشطريها الغربية التى احتلت عام 1948 والشرقية التى احتلت عام 1967، عاصمة أبدية للدولة اليهودية، وهو ما أكده المرشح الجمهورى جون ماكين فى عمّان لدى زيارته لها الشهر الماضى..
وطلب أولمرت بذلك من "القمم العربية" أن "تبل المبادرة العربية وتشرب ميتها".. مع ذلك.. لا يزال العرب يتمسكون بمبادرتهم التى أصدروها بناءًَ على "نصيحة أمريكية"، ولم يأت على ذكرها أى مسئول أمريكى منذ إصدارها.. بالإجماع.. بل إن "الجهود المضنية" التى بذلتها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس تكللت والحمد لله بوعد من أولمرت بإزالة خمسين حاجزاً ترابياً من أصل سبعمائة وخمسين حاجزاً يسممون بها حياة الفلسطينيين ليل نهار فى الضفة ويذيقونهم كل أنواع الذل والممارسات السادية، وكله يهون فى سبيل ضمان أمن إسرائيل وعدم تعريض شعبها الطيب المسالم للأذى أو الخطر! والغريب أن الصحف ووسائل الإعلام العربية أوردت تصريح رايس ووعد أولمرت الذى عودنا الوفاء بوعوده على أنه انتصار كبير للقضية والجهود الجبارة التى يبذلها قادة الدول العربية ومسكوا لها نفس المصطلح الأمريكى الإسرائيلى: "تخفيف المعاناة"! عن فلسطينى الضفة الغربية التى لم تطلق أياً من صواريخ القسام "الرهيبة"، وقد أصبح واضحاً للمواطن العربى أن "القمم" قادته من التحرير إلى مجرد تخفيف المعاناة، وهو ما يعنى أن هناك معاناة، غير أن الخوف بات يسيطر على المواطنين من أن تتحلى إحدى" القمم" المقبلة بالواقعية وتعترف بالدولتين اللتين جسدتهما رؤية بوش.. دولة إسرائيل ودولة المستوطنين اليهود .. تصوروا لو لم تكن هناك "قمم عربية".. على الأقل عندنا الآن دولة غزة النموذج الأمثل لعبقرية المناضلين العرب، وذلك حتى يستريح نزار قبانى فى قبره ويصله الجواب على سؤاله: متى يعلنون وفاة العرب!! أو متى يعلنون وفاة ..القمم!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة