روبرت فيسك يكتب عن وهم الذات لدى إسرائيل وحماس

الأربعاء، 31 ديسمبر 2008 09:26 م
روبرت فيسك يكتب عن وهم الذات لدى إسرائيل وحماس الكاتب البريطانى الشهير روبرت فيسك
إعداد رباب فتحى عن الإندبندنت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اهتم الكاتب البريطانى الشهير روبرت فيسك، بالعمليات الإسرائيلية على قطاع غزة، وتحت عنوان "وهم الذات لدى إسرائيل وحماس" قال فيسك فى مقاله بجريدة الأندبندنت، إن حماس وإسرائيل والحكام العرب جميعهم مسئولون عن ضحايا غزة.. وفى السطور المقبلة نص مقاله فيسك الأخيرة.

خلال الانتفاضة الفلسطينية، أذكر أننى كنت أجلس فى مكتب محطة المنار التليفزيونية التابعة لحزب الله فى بيروت، أشاهد تغطية إخبارية لجنازة أحد عناصر المقاومة الفلسطينية فى غزة.

ما جذب انتباهى فى هذه الجنازة، أن جحافل حركة حماس ومسلحى منظمة التحرير الفلسطينية قاموا بإطلاق آلاف الطلقات فى الهواء تكريما لـ"شهيد" مات مؤخرا. وكان يجلس بجانبى آنذاك عضو لبنانى فى حزب الله، وقام هذا الرجل بالعديد من عمليات الهجوم ضد الإسرائيليين فى المنطقة المحتلة فى جنوب لبنان، فوجدته يهز رأسه مستنكرا ما يحدث.

وسألته عما يجول فى خاطره، فقال: حماس تحاول أن تواجه الإسرائيليين، ولكنهم يهدرون الطلقات بإطلاقها عبثا فى الهواء، يجب أن يستخدموها فى قتل الإسرائيليين.. ما كان يريد قوله هو أن حماس ينقصها الانضباط - هذا الانضباط الشديد الذى يمسك بيد من حديد بلا رحمة – والأمن، اللذان اتخذتهما حزب الله سبيلا فى تشكيل سياسته فى لبنان، والذى أجبر الجيش الإسرائيلى على الاعتراف به فى جنوب لبنان عام 2006. فلم يتم صنع الأسلحة فى الأساس كى تطلق فى الجنازات.

كما أن غزة ليست جنوب لبنان، وكم كان سيكون مفيدا لو تذكر الطرفان المعنيان بحمام الدماء الأخير فى غزة هذا، أن حماس ليست حزب الله، وأن القدس ليست بيروت. ولذا لا يجب أن يأخذ الجنود الإسرائيليون ثأرهم لهزيمتهم فى لبنان عام 2006، بالهجوم على حماس فى غزة فلن يسفر عن هذا حتى مساعدة ليفنى فى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

ولم يتحقق "النصر الآلهى" لحزب الله كما ادعى منذ عامين. فتدمير الإسرائيليون للبنية التحتية فى جنوب لبنان، وقتل أكثر من ألف لبنانى – معظمهم مدنيين لا حول لهم ولا قوة – والإطاحة بلا رحمة بعشرات القرى، لا يبدو "كنصر" لحزب الله، لا نظريا ولا غير ذلك، فهذا بكل المقاييس لا يعد "نصرا" على الإطلاق. وعلى الرغم من هذا، فإن إسرائيل أيضا لم تفز، بل كان حزب الله قادرا على إطلاق آلاف الصواريخ بعيدة المدى فضلا عن القذائف الأخرى، لتدمر آلات إسرائيل الحربية وتشعل فيها النيران بل وتمحيها. أما عن حماس، فهى لا تملك ما يتماشى مع تلك الأسلحة على الإطلاق، ولا تملك من انضباط النفس ما يمكنها من المحاربة كجيش مكتمل الأركان.

من جهة أخرى، تمكن حزب الله فى لبنان من فرض قوته وتطهير المنطقة من المخبرين. أما حماس – مثلها مثل غيرها من الجماعات الفلسطينية- يتربص بها الجواسيس، بعضهم يعمل لصالح السلطة الفلسطينية، وآخرون لصالح إسرائيل. وقد قامت إسرائيل مرارا وتكرارا بقتل قادة تابعين لحركة حماس واحدا تلو الآخر، قائلة عبارتها المهذبة المعروفة "قتل مستهدف"، ولكن كما تقول قوات الشرطة لا تستطيع إسرائيل فعل هذا دون "مساعدة داخلية". منذ عقد من الزمن، اغتيل الأمين العام السابق لحزب الله، سيد عباس الموسوى، عندما أطلقت طائرة هليوكوبتر إسرائيلية قذائف أصيب من إحداها، ولكن حزب الله لم يقتل له قائد منذ ذلك الوقت. وفقد حزب الله خلال حرب 2006 التى استمرت 34 يوم 200 رجل تابعين له، بينما فقدت حماس تقريبا نفس العدد فى أول يوم من القذف الجوى الإسرائيلى لغزة، الأمر الذى يعكس موقف حماس العسكرى الضعيف.

أما عن إسرائيل، المستعدة دائما للقضاء على "الإرهاب"، فهى لم تفز قط بحرب على مدينة محصنة، سواء كانت غزة أو بيروت، منذ استيلاءها على القدس عام 1967. ومن المهم هنا أن نتذكر أن الجيش الإسرائيلى المشهور "بطهارة السلاح" و"وحدات النخبة"، يعتبر جيشا من الدرجة الثالثة، وقد أثبت هذا بجدارة خلال السنوات الأخيرة. فالمتابع لتاريخ إسرائيل العسكرى، "يجد أنها لم تفز بحرب واحدة منذ عام 1973 – أى قبل 35 عاما".. فباءت محاولتها لغزو لبنان عام 1978 بالفشل، وانتهى غزو 1982 بكارثة، ودفع عرفات خارج بيروت، وبالتالى سمحت لحلفائها من الكتائب الشرسة بالدخول إلى مخيمات صبرا وشاتيلا ليرتكبوا عمليات قتل جماعى هناك. ولم يتطور أداء إسرائيل عندما قصفت لبنان عام 1993 وعام 1996 – ولكن هذا القصف تباطأ بعد مذبحة لاجئى قانا- وكذلك الحال بالنسبة لأدائها فى حرب 2006 الذى لم يكشف عن شىء سوى عدم النضوج العسكرى. وفى الحقيقة لو لم يكن حال الجيوش العربية "غير ناضج" مثل حال الجيش الإسرائيلى، فإن دولة إسرائيل كانت ستواجه تهديدا حقيقيا من جيرانها العرب.

وهناك عامل واحد مشترك يميز حروب الشرق الأوسط؛ وهو تمتع الخصوم بقدرة فائقة على وهم الذات. فتعهد إسرائيل باستئصال ورم الإرهاب، سواء كان يتمثل فى منظمة التحرير الدولية أو حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامى أو الإيرانى أو غيرهم، كان دائما كاذبا. وأيضا عندما تعهد إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلى، فى غزة "بحرب حتى النهاية"، كان هذا هراء وكذب. مثلما كان هراء وكذب تباهى منظمة التحرير الفلسطينية وحماس وحزب الله، بقدرتهم على "تحرير" القدس. ولكن الإسرائيليين أظهروا ميلا خطيرا فى تصديق الدعاية التى يقومون بها، فاستدعاء أكثر من 6 آلاف جندى احتياطى ووضعهم حول أسوار غزة يختلف كليا عن إرسالهم إلى أكواخ غزة. فى عام 2006، ادعت إسرائيل أنها تعتزم إرسال قوات يبلغ عدد جنودها 30 ألفا، ولكنها فى الحقيقة أرسلت 3 آلاف جندى فقط، وعندما عبروا الحدود، واجهتهم قوات حزب الله، وفى بعض الحالات، فر الجنود الإسرائيليون إلى حدودها.

هذه حقائق من السهل حسابها، أما عن ظروف الحرب فليس من السهل أبدا حسابها. إذا استمرت إسرائيل فى قصفها لغزة، والذى من المؤكد تكلف مليارات الدولارات – وبالطبع نحن نعلم من يمولها- فستقع فى مرحلة ما مجازر فردية؛ فستضرب مدرسة أو مستشفى أو شقة متكدسة بالمدنيين. وحينها ستسرد إسرائيل قصة مألوفة وهى: أن حماس هى التى دمرت المدرسة، أو المستشفى أو الشقة، وأن الصحفيين الذين غطوا هذه الأحداث معادون للسامية، وأن إسرائيل مهددة..إلخ. وربما أيضا يحدث مثلما حدث فى الحرب العالمية الثانية عندما قام اليهود بغارات جوية كارثية، كما استخدمها كل من مناحيم بيجن وبنيامين نتانياهو خلال الربع الأخير من القرن الماضى، لتبرير قتل المدنيين الأبرياء.

أما عن حماس، التى لم تمتلك الشجاعة لتعترف بقتل فتاتين فلسطينيتين إثر التعرض لصواريخ أطلقتها الأسبوع الماضى، ستستفيد من الأسى والحزن للإعلان عن جرائم الحرب وعمليات "الإبادة الجماعية".

وحين نصل إلى تلك المرحلة، سيقوم حمار الأمم المتحدة المحتقر والعاجز وسيظهر فى الصورة لإنقاذ الجيش الإسرائيلى وحماس من هذه الحرب الصغيرة والمثيرة للاشمئزاز. وبالطبع، فإن العقول السليمة ستقوم بإلغاء هذا كله قبل وقوع الكارثة الحتمية، ولكنى أشك فى ذلك!.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة