صحيح أن الساسة فى مصر قد أساءوا التقدير بدرجة ملفتة للنظر .
وصحيح أن الموقف السياسى والإعلامى المصرى يبعث على الاشمئزاز أحياناً.
وصحيح أن مصر قد بدت عاجزة عن التعامل مع قضية، تعلم هى قبل غيرها أنها مشتعلة وستشتعل يوماً بعد يوم، لأنها قضية إستراتيجية وليست مجرد أزمة عابرة.
إلا أننى ومن مشاهداتى اليومية ومتابعاتى لما يدور، يؤسفنى أن أقول إن تسديد الرميات وتوجيه اللعنات على مصر بدأ يأخذ منحى خطيراً، منحى ينذر بأنه ليس وحدهم الساسة هم المستهدفون بل مصر بأسرها، بتاريخها، برجالاتها، بمواقف شعبها التى ظهرت جلية فى التعاطف مع كل قضايا العرب والمسلمين وعلى رأسها قضية فلسطين.
موقف الشيخ حسن نصر الله مؤخراً ليس موقفاً حميداً أبداً، رغم إعجابى بالمقاومة اللبنانية، بل أراه موقفاً سلبياً وعدائياً بدرجة امتياز، فدعوة القوات المسلحة المصرية للخروج على النظام هو تحريض لا يمكن قبوله لا من إسلاميين ولا من ليبراليين فى مصر، فالجميع وإن اختلفوا مع النظام يتفقون على أن القوات المسلحة لها وظيفة واحدة هى حماية الأمن القومى المصرى، وليس القيام بانقلابات أو حتى التدخل فى الشأن السياسى، وبالتبعية فليست قواتنا المسلحة التى نفخر بها فى حاجة إلى تعليمات من أحد سوى قيادتها.
صحيح أن دور مصر يتراجع، وهذا يحزن الجميع وقد تحدثنا وكتبنا عنه، ولكن مرة أخرى، إن الهجوم على مصر (حتة واحدة) ينبئ عن وجود خطة لإعادة تشكيل القوى فى المنطقة العربية بأسرها، وهذا يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى ومعها إيران، لأن التفاوض والتشاور سوف ينتقل من القاهرة إلى إيران الراغبة فى لعب دور مؤثر فى قضايا المنطقة.
وهذا يدفعنى للتعجب من تفريغ طاقة وجهد الدبلوماسية المصرية لسب ولعن وشتم الآخرين دون أن تنجح فى القيام بمبادرة تعيد لها قوتها ووزنها، وأحسب أن مجزرة غزة، رغم مأساويتها، تمثل فرصة ذهبية لمصر لتستعيد زمام المبادرة وترد على الجميع رداً يعطينا مؤشراً على أن الدبلوماسية المصرية لا تزال على قيد الحياة، ودعونى أضرب هنا مثلاً رائعاً لكسب أرضية سياسية فى زمن الأزمات.
حين قامت القوات الروسية فى أغسطس الماضى بغزو جورجيا، قام الرئيس الفرنسى ساركوزى بصفته رئيساً دورياً للاتحاد الأوربى بتحرك دبلوماسى رائع بين جورجيا وروسيا، وحتى قبل أن تتحرك أمريكا الحليف الرئيسى لجورجيا، كان ساركوزى يحصل على توقيع جميع الأطراف من أجل وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية من جورجيا. قبل هذه الواقعة كان الإعلام الأمريكى لا يرى فى ساركوزى إلا شخصية نرجسية يحب نفسه ولا يعمل إلا لصالح مجده الشخصى، بعدها خرجت مجلة نيوزويك لتصفه بالقائد الأوروبى الجديد.
هذا درس دبلوماسى، ماذا لو تحرك الرئيس مبارك، بدلاً من الوزير أبو الغيط، الذى من الواضح أن الموضوع أكبر من قدراته، وحمل الملف على عاتقه وتحرك بين الدول العربية وحشد الجهود لوقف العدوان على غزة.
ترى كيف ستصبح الصورة فى الشارع المصرى والعربى؟
لن تتوقف كاميرات المصورين عن ملاحقة المظاهرات التى سوف تشيد بمصر وتمجد الرئيس مبارك على دوره ومبادرته، سوف ينسى التاريخ كلمات حسن نصر الله وشعارات المعارضة، ليتذكر فقط أن مبارك وحده بتحركه، هو الذى أنقذ غزة بعد أن عجز العرب جميعاً عن فعل شىء حقيقى لوقف المجزرة.
سيدى الرئيس ... نحن معك
توكل على الله وأعلن مبادرتك ...
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة