طفلة مصرية تحلم بالآيس كريم فأكلها السرطان

الجمعة، 26 ديسمبر 2008 02:27 م
طفلة مصرية تحلم بالآيس كريم  فأكلها السرطان المرض لا يزال يسرق أبناءنا فى ظل غياب الرعاية الطبية
كتبت مـريم فارس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى حى الطوابق بفيصل, وفى حجرة مظلمة بالدور الأرضى، ذهبت لأقابل أبطال قصتى الإنسانية سارة ووالدتها، التى قابلتنى بابتسامة رائعة.. تعجبت كيف أن شقاء الزمن لم يمحها.

كانت طفلتها "سارة " نائمة فى أحد أركان الحجرة، اقتربت منها فرأيت عينين رائعتين لامعتين ووجها دائريا يحمل كل معانى البراءة، فجلست بجوارها، قابلتنى سارة بنفس الابتسامة البريئة لوالدتها وهى تقول "إنت مين يا طنط؟"، فأجبت "أنا صحفية وهعملك موضوع يقرأه المسئولون وبعدها تتعالجى فى مستشفى كويسة وتخفى وتبقى عروسة زى القمر".. فنظرت لى ولم تبد أى فرح أو حزن.

"سارة خمسة أعوام، تعانى من سرطان الدم، وهى فى المراحل الأخيرة من المرض الذى نهش جسمها وتمكن منها فالتهم ملامحها وبراءتها".

وبدأت والدتها تحكى قصة المرض: "يا بنتى الغلب فى الدنيا ده وراثة"، (تقول لى يابنتى وهى أكبر منى بسنوات قليلة), "أنا من زمان عايشة فى الغلب واتعودت عليه خلاص والفقر ده ماشى فى دمنا، أمى توفيت لأننا لم نستطع أن نوفر لها العلاج الغالى، والتأمين والعلاج على نفقة الدولة بالواسطة".

"جوزى مات فى حادث ميكروباص على الطريق الدائرى وأخى كان أحد ضحايا الهجرة غير الشرعية فمات غريقا وكان البحر أحن من بلده"!!

أتابع حديثها بشغف وأنا أكتبه وأسجله.. وهنا نظرت لى وتنهدت بقوة وقالت: "ممكن أسالك سؤال.. انتى هتاخدى كام فى الموضوع ده؟".

سؤال مباغت , لم أجد إجابة أمامه غير ابتسامة صفراء وأنا أقول لها "عادى".
فقالت بحدة "100 أو 200 أو 1000، فى كل الأحوال أنا مش عايزاك تنزلى الموضوع ده!! فسألتها ليه؟"..

شعرت برجفة قوية فى قلبى وقشعريرة فى جسدى عندما سمعتها تقول : "أنا مش عايزة بنتى تعيش"!

"وليه تعيش ؟ عشان تبقى زيى ولا عشان تموت من الجوع ولا تبيع شرفها وتبقى لحم رخيص ولا عشان إللى يسوى واللى مايسواش يستغلها ولا عشان تكبر وتتجوز ويبقى معاها ولد مش قادرة تأكله ، أو تعالجه فتموت فى اليوم ألف مرة ولا .. ولا ولا" ..
جاوبت بحده : إنت ليه متشائمة ؟ و.......

قاطعتنى بغضب :" بلاش بقى كلام جرايد انتوا متعرفهوش اللى زينا بيحصله إيه فى البلد دى؟".
وهنا داعبتنى سارة بيداها لتقول لى ببراءة : "أنا عايزة أروح لربنا فى السما، ماما بتقولى إن فى السما حاجات حلوة كتير، عسل ولبن وكمان مش هحس بأى وجع فى جسمى وهقدر أروح المدرسة ويبقى معايا أصحاب كتير وألبس فساتين حلوة" .

فقالت والدتها: "بنتى عند ربنا هتكون مبسوطة وهبقى مطمنة عليها أكتر".
تستكمل سارة وهى تقول: أنا زهقت وتعبت قوى مش قادرة ألعب ومش عارفين نروح للدكتور عشان الدكتور عايز فلوس كتير وماما طول اليوم جمبى تعيط ، أنا بجد عايزة أروح لربنا انتى تعرفى طريقه؟

هربت كل الكلمات والجمل من على لسانى فلم أجد ما أقوله لسارة غير قشعريرة تسيطر على جسمى وأبكى بداخلى، حاولت أن استجمع قوتى أمام هذه السيدة صاحبة الإيمان القوى التى تتخلى عن ابنتها فى الحياة لتعيش عند خالقها.. وأتساءل كيف تستطيع أن تستكمل باقى عمرها دون ابنتها الوحيدة معها فى الحياة ؟ كيف استطاعت أن تتجرد من أنانية أمومتها لفلذة كبدها ، يا لها من امرأة أكثر من قوية. فقلت لها : من فضلك اسمعينى بنتك ممكن تعيش ويبقى حظها أحسن من حظك بلاش تحرميها من دنياها ، فقالت بكل هدوء : انتى لغاية ما تنزلى الموضوع هتكون بنتى عند إلى خلقها .. ارجوكى كفاية.

سارة مازالت تمسك بيداى برفق وقالت : هو انتى شفتى ربنا ؟ تعرفى شكله إيه؟ طب أنا هشوفك هناك ؟
"وهنا حاولت أن أجمد الدموع فى عينى فكيف تراها سارة ووالدتها" لم أتحمل أكثر من ذلك من تمزيق قلبي على سارة وهى تقول جملها بكل براءة فأجابتها : أكيد يا سارة هيكون مكانك أحسن منى؟
طب ليه أنا هقول لربنا تيجى معايا عشان أنا حبيتك.
كفاية يا سارة.. إلى هذا الحد ولم أعد أتحمل فبكيت بجانب سارة ونسيت وقتها من أنا ولماذا أنا هنا وكيف ؟

حاولت أن ألملم حاجاتى بعدها حتى لا ترى دموعى أكثر من ذلك وهربا من أسئلة سارة التى ليس لها إجابة عندى وقبلت سارة وقلت لها : تحبى أجبلك إيه لما آجى المرة الجاية ؟
فقالت برقة : أنا عايزة آيس كريم. بعد أيام ، وفيت بوعدى وذهبت بكل فرح وأنا أحمل الآيس كريم ، وطرقت الباب وفتحت أم سارة لكنى لم أر هذه المرة ابتسامتها ونظرت إلى الآيس كريم وقالت : خلاص سارة بتآكل كل حاجة حلوة عند ربنا!!

رحلت سارة عن دنيانا، رحلت ببراءتها وجمالها وهى تحلف أن الحاجة الوحيدة التى تمنتها " الآيس كريم " تركته فلا تريد شيئا من هذا العالم، رحت لتريح أى مسئول ولا تضيع وقته فى إمضاء ورقة لعلاجها على نفقة الدولة، رحلت لتترك أصحاب الكراسى يشبعون بها ، رحلت سارة وسيرحل مثلها مئات الأطفال المرضى الذين لا يجدون طعاما ولا مالا للعلاج ولا مأوى ولا عطف مسئول.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة