رسائل زوجة عصرية

الكنز المفقود فى حياة المصريين

الأربعاء، 24 ديسمبر 2008 03:57 م
الكنز المفقود فى حياة المصريين
بقلم سمر طاهر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تابعت برنامج الداعية الشاب مصطفى حسنى "الكنز المفقود"، والذى تدور فكرته حول المعانى الجميلة التى نفتقدها فى حياتنا اليومية، مثل الرضا بقضاء الله وشكر النعم وغيرها من المعانى البسيطة، والتى يندر وجودها فى هذا البلد وفى هذا الزمان...

انتقد الداعية بشدة سلوك أحد الأشخاص والذى سمعه يقول «إحنا عايشين عيشة الكلاب» مؤكدًا أن هذا الشخص لا يشكر الله على نعمه وأن الكلب ربما يكون فعلاً أفضل منه لأنه على الأقل يسبح بحمد الله.

استوقفتنى الجملة طويلاً لأتأملها، هل نحن نعيش (عيشة الكلاب) فعلاً، وتهت فى تأملاتى وأفكارى.. أصبح الوضع فى الشارع المصرى مريعًا فى السنوات الأخيرة، واستشرت الأمراض الاجتماعية فى الشارع المصرى وفى البيوت المصرية وفى المصالح الحكومية المصرية.. ولسنوات عديدة كان للدراما دور فى انتقاد ما يحدث فى المصالح الحكومية على وجه التحديد، وقد اختزلت المشكلة فى عبارات من قبيل "فوت علينا بكره" و"ظرفنى تعرفنى".. للدلالة على تفشى الرشوة والفساد والتكاسل والتقاعس عن أداء العمل والواجب، وبالرغم من أن هذه المشكلات ليست جديدة علينا... إلا أننى أزعم أنه ما من وقت تأزمت فيه الأوضاع فى مصر مثل وقتنا الحالى.. حتى باتت مشكلة قصور الضمير هذه - إن جاز التعبير - قنبلة توشك على الانفجار كل لحظة.

والأخطر من ذلك أن هذه المشكلة أصبحت تشكل عامل طرد للمصريين أنفسهم، حيث أصبح حلم الهجرة والسفر حلم كل مصرى، مما يهدد بالقضاء على الطبقة المثقفة فى مصر. وقد كتب المفكر جلال أمين كتابه "ماذا حدث للمصريين"، ليرصد مثل هذه الأمراض التى تفشت للدرجة التى لم تعد تلفت الانتباه إليها، وكأن الأمر "عادى"... كما رصد علاء الأسوانى هذه المشكلة من منظور آخر وسماها ظاهرة "التدين البديل"، حيث أكد أن المصريين لا يقدرون على مواجهة الفساد والمفسدين، وهو الهدف الحقيقى من الدين.. ولذلك اختاروا " تدينًا بديلاً سهلاً ويسيرًا " وهو التدين الذى يظهر من خلال اللحية والحجاب..

والحقيقة أن المصريين لم يختاروا تدينًا بديلاً، فالتدين «كلٌ متكامل»، والذى فعله المصريون هو فصل الجوهر عن المظهر، والاكتفاء بهذا الأخير.. ربما لأنه أيسر كما يرى علاء الأسوانى.. وربما لأن الأول هو الذى أصبح "مستحيل الحدوث" بمعنى الكلمة.. نعم فتطبيق جوهر الدين أصبح من المستحيلات فى الوضع الذى يعيشه الشعب المصرى.. فهو كالغول والعنقاء والخِل الوفى فى هذا الزمان وفى هذه البلاد.. وقد تصادف أن خرجت إلى الشارع فى الأسبوع الأخير بشكل مكثف للانتهاء من بعض الأوراق الرسمية المهمة، وهو موقف سيحدث لا محالة لأى إنسان مصرى بالضرورة مرات عديدة فى حياته حتى لو ليست له أية حيثية فى المجتمع (رخصة، شهادة ميلاد، تطعيم.. الأمر ما يسلمش)... ولاحظت جملة جديدة على أذنى، ترددت على لسان أكثر من موظف أو عامل وفى أماكن مختلفة.. قالوا لى «يا أستاذة انتى اسعى ورا حاجاتك»، ومرة أخرى «انتى أدرى بمصلحتك» و«احنا هنعملك حاجاتك كمان، لو مخلصتيش الورق بنفسك مش هتلاقى حد يخلصه ويمكن يفضل مركون بالشهور».

وطبعًا الكلام منطقى للغاية، فالسعى وراء المصلحة فرض على كل إنسان عاقل، لكن للأسف فالنصيحة فى غير محلها، وهؤلاء الذين تطوعوا بتقديم مثل هذه النصائح لى يقصدون ببساطة (احنا مش عايزين نعمل شغلنا.. لو عايزة انتى بقى اعمليه)، وحاولت تحليل أسباب هذه العبارات المتكررة التى سمعتها، ربما تكاسل.. ربما حقد اجتماعى.. مشكلة ضمير.. أو إيمان الموظف بأن هذا العمل ليس عمله ولا يستحق أن يتعب من أجله، وأن ما يأخذه مقابله من (ملاليم) لا تستدعى القيام بأى عمل مقابلها سوى الحضور لمقر العمل وكفى، أو حتى عدم الحضور والاكتفاء ببذل المجهود من أجل "التزويغ".. أما إنجاز العمل وقضاء مصالح المواطنين فهو درب من الجنون، فما بالك بالابتسام فى وجوههم.

ولا أعرف على وجه التحديد أين المشكلة، ومن أين تبدأ.. هل العيب فى مثل هؤلاء الناس.. أم أن الحياة والظروف والأوضاع هى التى دفعتهم دفعًا لمثل هذه الحالة، وبالتالى فهم «معذورون».. وهى المعضلة الشهيرة (البيضة) أولاً أم (الدجاجة).

فالناظر إلينا الآن يجدنا نحيا فى ظل مجتمع بلا أية منظومة قيمية تحكمه، لا توجد
سوى الشعارات الزائفة والتعصب.. لم يعد لكل مجتهد نصيب ولم تعد علامة (الميزان) ـ للأسف الشديد ـ تعنى سوى حلاوة الرشيدى.. وأصبح الشعار الوحيد الذى يمكن أن نرفعه بحق فى مجتمعنا هو "الصبر مفتاح الفرج"، حيث أصبح كل مصرى هو بالضرورة (صابر أيوب)!!، وحتى لو تحسن العالم من حوله، فلن يستطيع تغيير اسمه ( صابر) ـ على رأى الإعلان الشهير ـ من البطاقة..

وفى خضم تأملاتى وأنا سائرة فى الطريق استلفتنى سائق سيارة أجرة يهدئ السرعة لتمر امرأة عجوز... فقلت فى نفسى هى دى الجدعنة المصرية.. والله لسه موجودة بس مدفونة تحت أكوام من المعاناة....





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة