خطأ ساويرس المتكرر فى كوريا الشمالية!

الأحد، 21 ديسمبر 2008 11:06 ص
خطأ ساويرس المتكرر فى كوريا الشمالية! ساويرس ونائب رئيس وزراء كوريا الشمالية فى احتفالات افتتاح شبكة المحمول فى بيونج يانج
جابر القرموطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو أن الوقت قد حان بالفعل للاعتراف أننا أمام نموذج فريد جدا من رجال الأعمال بدون مبالغه، وما فعله نجيب ساويرس الثلاثاء الماضى (16-12-2008) بإعلانه تشغيل أول شبكة محمول فى كوريا الشمالية هو أمر مثير جدا للدهشة، ففى ظل الوضع المالى الحرج فى العالم واهتزاز صورة غالبية الشركات فى كل القطاعات وتأجيل مشروعات بـ"تريليونات" الدولارات يأتى هذا الصقر المصرى-إن جاز التعبير - ليعلن عن نفسه بصورة تثير الإعجاب من جهة والاستغراب من جهة أخرى، بل تثير الشفقة عليه من جهة ثالثة، إذ كيف له فى هذا الظرف الدولى الحرج العمل فى سوق هو من أشد الأسواق انغلاقا فى العالم ولا توجد قوانين واضحة تحدد آليات العمل هناك فى قطاعات عدة خاصة الاتصالات، هذا النموذج من الأسواق دائما ما يذهب إليه ساويرس، بل ويحقق فيه نجاحا لافتا رغم تحذيرات عدة من خبراء ومؤسسات معنية بالمخاطر القائمة.

ولك أن تتخيل عزيزى القارئ أن كوريا الشمالية دشنت شبكة محدودة للمحمول 2002 وحظرت على معظم المواطنين والأجانب استخدامها، فظلت متاحة فقط لاستخدام كبار المسئولين فى الدولة، إلا أنها عادت فحظرت استخدام الهواتف المحمولة عموما. إلى أن فاجأ رجل الأعمال المصرى الخبراء والمراقبين فى يناير الماضى وأعلن عن مشروع مشترك مع كوريا الشمالية لإنشاء شبكة للجيل الثالث من الهواتف المحمولة هناك.

يتطلع ساويرس إلى تقديم خدمة الموبايل إلى 22 مليون شخص، على أن تتمكن الشبكة الجديدة من تقديم خدمة الإنترنت السريعة ونقل كميات كبيرة من المعلومات، علما بأن هذا النوع من السلع يلقى عادة مقاومة شديدة من جانب السلطات فى كوريا الشمالية التى تتحكم فى أجهزة التليفزيون والراديو عن طريق تشفيرها لكى تجعلها قاصرة على استقبال المحطات والقنوات الرسمية فقط، كما يستحيل على المواطنين العاديين إجراء المكالمات الدولية. وتقول بعض التقارير، إن سعر جهاز الهاتف المحمول فى الشبكة الجديدة سيصل إلى 700 دولار، مما يجعله خارج متناول غالبية المواطنين.

وفى الأجواء نفسها ذكرت صحيفة "ن كيه دايلى" الإلكترونية الكورية فى افتتاحيتها أمس السبت، إنه فى وقت يعاد النظر إلى العلاقات الاقتصادية بين الكوريتين، فإن مبادرة شبكة الهواتف المحمولة الجديدة يمكن أن تغير الصورة المهزوزة لبلادنا أى والله هكذا تقول الصحيفة الأوسع انتشارا هناك فى افتتاحيتها، وأضافت الصحيفة: أحداث الماضى أوضحت أنه عندما تجد كوريا الشمالية نفسها أمام خيارى حماية نظامها أو اقتصادها يكون خيار حماية النظام هو الأبقى، ذلك يعنى أن الاستثمار المصرى فى كوريا مهدد، لكن يبدو أن ساويرس أراد التعامل مع مثل هذه الأسواق بأسلوب "الحنكة الاقتصادية" إن جاز التعبير، حيث ذكرت الصحيفة أن أوراسكوم ستستعين بعشرات الكوريين الشماليين فى مشروعاتها الإنشائية فى الشرق الأوسط، وهو ما يعنى أن كوريا ستخسر الكثير إذا ما فكرت فى تهديد الاتفاقية مع المصريين كما فعلت من قبل مع أجانب.

نحن إذن أمام تجربة غريبة بالفعل وينبغى النظر إليها بدقة متناهية، فالربح التجارى غير وارد حاليا وكذلك الربح المعنوى، فيما المجازفة والمخاطرة تحوى أركان تلك التجربة، من هنا ولكونى متابع عن قرب للوضع الاقتصادى المصرى فى الخارج نشطت الذاكرة لأعود إلى عام 2002 عندما دخل ساويرس إحدى الدول العربية ورغب المشاركة فى تأسيس صناعة المحمول هناك، لكن بعد فترة من العمل تم مضايقته بصور شتى حتى خرج طواعية، معتذرا بينه وبين نفسه لحال الاستثمار العربى، بعدها دخل الجزائر فى عز الوضع الأمنى الصعب وحقق نجاحا رفع به حجم الاستثمارات المصرية إلى 3 مليارات دولار، ثم باكستان فى عز القلاقل أيضا وحقق رقم الـ30 مليون مشترك هناك، ثم دخل العراق وقت الغزو الأمريكى عام 2003 وحقق استثمارات تجاوزت المليار دولار، لكن الغباء الأمريكى فى التعامل مع الوضع الأمنى حال دون الاستمرار، مما دعا ساويرس إلى بيع وحدته إلى مجموعة "زين الكويتية". كذلك دخل ساويرس بنجلاديش التى هى فى الأساس إحدى دول العالم الفقير والغائب نسبيا عن تطورات الأوضاع فى كل المجالات وحقق كذلك النجاح.

إذاً نحن بالفعل أمام نموذج لرجل أعمال جدير بالبحث والدراسة ومعرفة حدود التفكير الاستثمارى الذى يهدف إليه، فمن وجهة نظرى المتواضعة لا يمكن رهن هذا النشاط وهذه الهمة الواعية كما يحلو للبعض أن يردد بتعامل ساويرس مع المخابرات الأمريكية أو الإسرائيليين أو اليهود عموما، وأنه قبطى يتمتع بنفوذ قوى داعم من الخارج والداخل، وسبب رفضى هذا الربط هو أن ساويرس ليس هكذا على الإطلاق.

وهنا أتساءل: ما علاقة اليهود بالأسواق العربية الخطرة التى دخلها ساويرس دون غيره؟وما علاقة اليهود بدولة مثل باكستان والاستثمار فيها، وكذلك بنجلاديش ودول أفريقية أخرى فقيرة وواعدة، ذلك يعنى أن ما يتردد بعيد تماما عن الدقة وينفى التهم التى توجه لهذا الرجل فى كل خطوة يقوم بها.

أنا على اقتناع تام أننا أمام نموذج – رغم أخطائه مثل كل البشر وجدلياته وبعض أفكاره فى القضايا السياسية والاقتصادية وغيرها، يتمتع ببعد فاق تفكير المصريين وغيرهم فى التعامل مع الوضع الاستثمارى الدولى ..نموذج مصرى صميم علينا إعطاؤه الحق إن فعل ما يستحق الإشادة به، فمن أين لنا بمستثمر يدخل بلادا يحجم آخرون عن الدخول إليها، إضافة إلى أنه لا يكتفى إطلاقا بدخول السوق لكنه يسعى وبذكاء على تحقيق نجاح ملموس يشهد له الجميع ..صديقى القارئ تأمل معى هذا النموذج الذى يذكرنا بخطأ الانغلاق على أنفسنا.. علنا أن نستفيد من هذا الخطأ قبل فوات الأوان ونفيق ولا داع للبحث عن شماعة جديدة للتقليل من حجم مصريين حققوا نجاحا صعب علينا الاعتراف به أو تصديقه فى أماكن يهرب منها مستثمرون عالميون كبار ...ساويرس أنت ارتكبت أخطاء جسيمة منذ 8 سنوات بدخولك أسواقاً تحمل مخاطرة استثمارية والأسبوع الماضى تكرر هذا الخطأ عن عمد بدخولك كوريا الشمالية، لأنك كشفت عورات رجال الأعمال المصريين الذين مازالوا يتكالبون على دخول البرلمان ولجان الحزب الحاكم المختلفة ويقطعون الطريق على من تسول له نفسه منافستهم، ويا ليتهم ينافسونك وغيرك من المصريين على فتح أسواق جديدة للاستثمار المصرى فى الخارج، وتأكيد أن لدى رجال الأعمال الفكر الواعى لفتح آفاق أرحب خارجياً.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة