عادة ما يظل الرأى الأول الذى نكونه حول شىء ما رأياً صائباً ذا وجاهة، أو على رأى الإعلان "الانطباعات الأولى تدوم"، أنا بتكلم هنا عن الفيس بوك، والناس اتكلمت كتير أوى عنه، قالوا وسيلة للتواصل الاجتماعى، وقالوا وسيلة للفساد، وقالوا وسيلة لتجسس الحكومة الأمريكية علينا من خلال معلومات إحنا بنقدمها لهم عن نفسنا على طبق من فضة.
فى المرة الأولى التى تعرفت أنا فيها على الفيس بوك توجست منه، كل الناس بتشوف صور بعضها وبتعرف أخبار بعضها، صحيح كل واحد حُر فى أنه يأذن أو لا يأذن لغيره أن يراه، بمعنى أن كل واحد يختار الأفراد الذين يضمهم لقائمة أصدقائه، ويرفض من لا يريدهم، لكن دى لوحدها كارثة، افرض مثلاً إنى عملت add لواحد أو واحدة، والواحدة دى تعرفنى لكنها لا تريد أن تضمنى للقائمة، رخامة أو أى شىء، هى من حقها، لكنها قد تُحرَج وتضطر أن تضمنى، لأنها لو لم توافق على طلبى للانضمام لقائمتها "أو ضمها لقائمتى كلاهما سيان"، المهم أنها لو لم توافق فأنا بالضرورة سأعرف أنها رفضت، وقد يثير هذا الأمر "حزازية" بيننا .. وقد لا يثير "حزازية" إذا كنت أنا إنسانة متفهمة ومؤمنة بالحرية الفردية لكل شخص, طالما لا يضرنى، لكن لا شك أن الأمر سوف يثير نوعاً من التساؤل لدى. المهم مش مشكلة الموضوع ده، فيه موضوع تانى أهم، وهى ملحوظة أو شعور يأتى إلى عند الدخول إلى الفيس بوك، وهو أن الفيس بوك شىء "خنيق"، الحقيقة هو أحياناً خنيق وليس دائماً، وذلك لعدة أسباب, أولاً أن كل واحد بيكتب الوضع بتاعه أو جملة تدل على ما يفعله هذا الشخص فى الآونة الأخيرة، بمعنى آخر يكتب آخر أخباره فى جملة موجزة ليراها الآخرون، وكل واحد له الحرية إنه يكتب أو لا, لكن بتحليل بعض الأبقاق "جمع بُق" المكتوبة، نجد أن الناس أحياناً بتحشر الآخرين فى شئونها الداخلية بطريقة ليس لها ما يبررها، مثلاً واحد كاتب عن نفسه "سمير الششتاوى: يبدأ تانى من جديد"، أو واحدة كاتبة عن نفسها "سونيا سليم: حامل فى الشهر الثالث"، طب إحنا مال أهلنا .. وحاجات تانية كتير تعطينا نبذة عن حياة هذا الشخص و"داخلياته".
أو إنه مخنوق من صاحبته أو مديره فى الشغل، أو بيلقح كلام على حد من صحابه "خصوصاً بين البنات لأنهن مشهورات أكثر بالغل"، .. والأفكه من كده ساعات فيه ناس بتدخل على الفيس بوك بأسماء مستعارة مش أسمائها أساساً، طبعاً أكثر حاجة منتشرة هى أسماء الفنانين، يعنى واحد يسمى نفسه تامر حسنى ويحط صورة تامر حسنى برضه، وهو مش تامر حسنى خالص، وواحد مسمى نفسه night sad bird آل يعنى طائر الليل الحزين بس بالإنجليزى وده من أكثر الأسماء التى أثارت انتباهى، وكمان فيه ناس حاطه صورة نانسى عجرم على أساس أنها صورتها.
برضه الموضوع ده مش مشكلة، فيه موضوع تانى، موضوع الصورن أيوه ما هو كل واحد بينشر صور له فى بيته، فى شغله، مع صحابه، فى رحلاته، فى عيد ميلاده، مع عياله، المهم أى صور وخلاص، وكل واحد بينشر صور خاصه بيه ممكن يعمل تجميع لكل شوية صور فى ألبوم واحد تحت اسم معين، وعادة ما يكون الاسم باللغة الإنجليزية، خد عندك my sweet heart, dear kids, Paris 2007, one nice day وغيرها من الألبومات، وطبعاً دى بتثير الغيرة والأحقاد والضغائن خاصة لدى النفوس الضعيفة، آه والله، لأن المتصفح لهذه الألبومات بيشعر أن كل واحد بيتنطط إما بعيلته أو أولاده أو شغله، هتقوللى (أنت سوداوية وحقودة، وكل واحد يحط اللى هو عاوزه، ودى طريقة للتواصل بين الناس والتعارف فى زمن بقت المواصلات زحمة والمحور واقف خالص)، والله أبداً أنا مش سوداويه، بس كل واحد بيقابل زملاءه القدامى من المدرسة أو الجامعة، وللأسف فى مجتمعنا هناك مرض اجتماعى، ملخصه أن كل واحد بيستمد سعادته أو تعاسته على حسب، من مقارنة نفسه وما وصل إليه بأحوال الآخرين شخصياً وعملياً، والمعيار عادة بيكون المادة، يعنى واحد وصل لمستوى أعلى من كل اللى حواليه يبقى هو فى قمة النجاح، والعكس طبعاً صحيح، لو هو أقل من اللى حواليه مادياً، ومهما كان مركزه الأدبى، فهو فاشل فاشل فاشل. وحتى النجاح أو المركز الأدبى، أصبح من المهم إعلانه دائماً وتأطيره (صعبة دى أوى)، يعنى وضعه فى إطار أو برواز ليصبح واضحاً للجميع، ولم يعد هناك مكان للتواضع أو إنكار الذات أو أهمية العمل لوجه الله وليس للفشخرة الكذابة، وده للأسف شىء إحنا كلنا بنعانى منه كنوع من الضعف الإنسانى والحاجة إلى تحقيق الذات. والمشكلة إن الناس أحياناً بتفتخر بأشياء لا تدعو للفخر، بل تدعو للخجل. من كام يوم دخلت على جروب لكلية الإعلام، كل خريج بيكتب عن نفسه وحياته بعد التخرج والبعض يكتب ذكرياته أيام الكلية، قلت جميل فرصه الواحد يتواصل مع زملائه بعدما بعدت المسافات وتفرقت السبل وانقطعت الأخبار، لقيت واحد زميل بس أنا بصراحة لم أتذكره، كاتب عن نفسه وعن المركز اللى وصل له فى عمله ( فى مؤسسة إعلامية مش فاكره هى إيه)، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد للأسف، ولكنه بدأ فى السخرية من "الزملاء الشاطرين اللى كانوا بيحضروا المحاضرات فخسروا بذلك القعدة الحلوة على سلم الكلية، لكن العزاء الوحيد لهم أنهم دلوقتى قاعدين بس مش على السلم لأ فى بيوتهم لأنهم مش لاقيين شغل، بينما زملائهم (بتوع السلم) اشتغلوا فى أفضل المؤسسات الإعلامية فى مصر، ووصلوا إلى أماكن مهمة فيها!"، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل بدأ فى التطاول على الأساتذة أيضاً بقوله "أنا فاكر الحاجة فلانة" لما كانت بتتحايل علينا ندخل المحاضرة،كانت أيام"، ولا أعرف بالضبط ما أصابنى بعد قراءة تعليقات هذا الزميل لأن الحزن تملكنى بشدة من كلامه، وشعرت فعلاً أننا فى مجتمع، العلم لا يكيل فيه بالبتنجان، على رأى عادل إمام.
وأصابنى ذهول حقيقى من طريقة التفكير التى تسخر من العلم وحب التعلم، بل وتسخر أيضاً من الأساتذة الذين تلقينا العلم على أيديهم.
أثارنى كلام الزميل، خاصة شماتته فى الآخرين، لدرجة جعلتنى على وشك الرد على تعليقه وإفحامه واتهامه بالنفاق لأنه سعى إلى الالتحاق بكلية لمجرد الانتماء لها اسما أو لمجرد كونها من كليات القمة، وبدون الرغبة فى الاستفادة الحقيقية منها، وهذا باعترافه هو شخصياً. المهم هممت أنه أكتب ردى هذا، إلا إننى تراجعت فى اللحظة الأخيرة، حتى لا أقحم نفسى فى مهاترات، وحتى لا أخسر الزملاء، وحتى لا يتهمنى أحدهم "بالمعقدة"، خاصة أنى كنت ممن يحضرون المحاضرات، عرفت ليه بقى الفيس بوك ده خنيق.
رسائل زوجة عصرية
عن الفيس بوك واللى قعدوا على السلم
السبت، 13 ديسمبر 2008 01:02 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة