كلما دخلت إلى غرفة أو مررت بممر بمستشفى المقاولين العرب وجدتها هناك, مع "نادر" الصغير الذى أتم عامه الخامس منذ أيام تبنى بيتاً من الميكانو, ومع "سالم" (3 سنوات), تنفخ فى الحلقة الدائرية فتندفع فقاعات الصابون, فيغرق الصغير فى الضحك لتلطخ وجهها بالصابون الذى يحرق عينيها, بينما تغرق هى معه فى الضحك, "محمد" صاحب السنتين يرتدى روب الدخول لغرفة العمليات, ويدخل فى نوبة بكاء شديدة, نادتها أمه التى لم تستطع إسكاته, إنها تعرف أنها الوحيدة التى ستهدأه ابتسامتها ودفأها.
"آندى" .. هذا هو اسمها , تبتسم لمن تعرف, ومن لا تعرف, تلمع عيناها بعاطفة أمومة لا يعرفها الكثيرون, يحبها كل الأطفال المصريين هنا, نعم جميعهم يعشقون آندى. كل الحوارات الصحفية هنا تدور مع المسئولين, المشرفين, آباء الأطفال المرضى وأمهاتهم .. لماذا لم يلتفتون إلى آندى؟!
قررت الإجابة عن السؤال, اقتربت منها .. امرأة أربعينية, أمريكية من ولاية تكساس, عمرها كما تقول (5 سنوات) و8 حملات فى الأردن ومصر ونيكاراجوا والبرازيل وفيتنام, إنه التاريخ الذى انضمت فيه آندى للعمل التطوعى بجمعية الابتسامة لعلاج الأطفال المصابين بشق الحلق والشفة الأرنبية.
آندى ليست طبيبة ولا سيدة أعمال ولا مترجمة. تقول آندى عن نفسها أعتقد أننى أقوم بأجمل وظيفة فى العالم، فمسمى التخصص الذى أعمل به هو رعاية طفل المستشفى معنوياً قبل إجراء العملية, وهذا التخصص غير موجود فى مصر, المستشفى مكان مخيف عامة, فما بالك بالنسبة للطفل.
ولا تتحدث آندى من العربية سوى, شكراً وعفواً, ومع ذلك لا يستشعر المتحدث معها أنها تتحدث بلغة غير لغته, تتحدث آندى لغة مشتركة بين جميع البشر, تقول عنها: عندما قدمت إلى هنا كنت أحمل هم عدم معرفتى بالعربية, ورغبتى فى الالتحام بالناس والوصول إلى قلوبهم, نعم هناك لغة إنسانية من الممكن أن لا نتكلمها, لكنها تقربنا جميعاً من بعضنا البعض, وبالنسبة إلىّ فأنا أستخدم إضافة إلى ذلك "لغة الأمومة".
آندى التى تستخدم لغة الأمومة كما تصفها ليست أماً, إنها زوجة فقط .. تقول, تزوجت منذ سنوات طويلة, ولم أرزق بالأطفال, لكننى رزقت بقلب أم وزوج له قلب كبير, يحبنى بشدة, ويضحى لأجلى كثيراً, فأنا كثيرة السفر والتجوال, وهو أخصائى فى العملات النادرة, وهو تخصص جميل ومربح أيضاً, وكثيرا ما كان يقول لى, أنه يعتقد أن الله منحه هذا العمل لكى ينفق على ما أقوم به من عمل خيّر, وكنت أرد عليه بأنها نقود إنسانية بالفعل.
من السابعة صباحاً وحتى العاشرة مساءً, تدهشك آندى بنشاطها وسط الأطفال, الساعة وقت حديثنا كانت تشير إلى الثامنة مساءً، سألتها ألا تشعرين بالتعب؟
ردت أشعر بالإحراج لأن هؤلاء هم المتعبون, وأشارت إلى الأطفال وأمهاتهم, وأضافت عندما يكف عادل الذى يجلس فى حجر أمه هناك عن النظر فى المرآة, مطالباً أمه بأن تحضر له خيطاً وإبرة, لكى يخيط شفتيه, ويستطيع اللعب مع أقرانه بدون أن يعيروه, وعندما تستطيع هذه الأم الأخرى أن تحمل ابنتها إلى العزومات والزيارات.
فى نهاية الحديث مع آندى سألتها عن انطباعها عن الأم المصرية البسيطة بعد أن اقتربت منها هكذا, فقالت الأمومة شعور عال وراق, هو نعمة وهبة, والأم المصرية طيبة للغاية, صبورة ومتدينة, وأراها ناجحة, وتستطيعين اكتشاف ذلك عندما تجدين الطفل مرتبطاً بأمه يبكى لفراقها, ويسأل عنها بمجرد أن يفيق من المخدر, ويفزع عندما تختفى عن نظره.
امرأة تجيد لغة الأمومة وتتحدث بقلبها وعينيها
آندى الأمريكية معشوقة أطفال مصر
الأحد، 09 نوفمبر 2008 08:32 م
آندى - تصوير أحمد إسماعيل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة