تعرض الرئيس الراحل السادات ومازال لحملة تشويه منظمة من فصائل اليسار المصرى، تزيف تاريخه وتظهره فى صورة الخائن المارق وتمجد صانع هزيمة يونيو.. سخائم من الحقد الأسود والجحود البشع.
فالرئيس السادت وصل إلى الحكم فى فترة عصيبة، فقد ورث تركة ثقيلة بدأت بوأد الديمقراطية فى عام 1954، وانتهت بهزيمة يونيو 1967، فعمل على التخلص من هذه البلاوى، فرفع الوصاية عن الشعب وأصدر الدستور الدائم وفكك المعتقلات وأغلق مراكز التعذيب وتخلص من التنظيم السياسى الواحد، وألغى الرقابة على الصحف وأباح تكوين الأحزاب السياسية وصحفها المستقلة، وحارب وفاوض وعادى وسالم من أجل مصر، ولعل من أروع إجراءاته التصحيحية هو رده للمظالم التى تعرض لها المصريون أكثر من 15 عاما على يد ديكتاتور متغطرس، والرئيس السادات فتح الباب أمام الانفراجة الديمقراطية التى نعيش فى ظلها الآن، كما أنهى عصر التخبط الذى جر على مصر الأهوال.
ويصعب تقييم السادات وعصره فى مقال أو كتاب بل يحتاج الأمر إلى لجان متشعبة ومتخصصة، ونحن هنا سنحاول إلقاء الضوء على أخطر قرارات الرئيس السادات.
وبتولى الرئيس السادات الحكم، قام بحركته التصحيحية وتخلص من المتآمرين عليه من رجال عبدالناصر، وقدمهم للمحاكمة ولعب هيكل فى كل ذلك دورا غامضا خاصة بعد وصفه لعبدالناصر بأنه ليس أسطورة، وأعلن الرئيس أن عهد الشرعية الدستورية هو الإطار الذى سيكون حاكما للبلاد فصدر الدستور الدائم 1971.
ونص على أنه لا يجوز تحصين أى قانون أو قرار ضد الطعن القضائى ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد أصدر الرئيس السادات توجيهاته بالتقدم بقانون يلغى جميع موانع التقاضى فى بعض القوانين، تمهيدا لعدم تعطيل هذا النص فى الدستور.
وأصدر الرئيس السادات توجيهاته بالتقدم لمشروع قانون بعودة من اعتقل وأفرج عنه بعد 15 مايو 1971 بأنه يعود لعمله لإعالة أسرته، فقد عمل السادات على كسب مظاليم نظام سابق اتصف بالغوغائية والعشوائية.
ورجع الكثير من المعتقلين فى عهد عبدالناصر، والذين كانوا يعملون فى وظائف مختلفة إلى أعمالهم، وقد بلغ عددهم 1870 شخصا، ولم يكتف الرئيس السادات بإرجاعهم بل تم تسكينهم فى وظائفهم مع اعتبار فترة اعتقالهم التى امتدت فى بعض الأحيان إلى 15 عاما أقدمية فى العمل فتساووا مع أقرانهم الذين لم يتعرضوا للاعتقال من غير الموظفين وقد بلغ عددهم 14.300 فبعد الإفراج عنهم حصلوا على تعويض مادى ثم هاجروا للعمل فى دول الخليج.. فقد أرادها عبدالناصر إذلالا وفقرا، وأراد الله لهم العز والكرامة وسعة الرزق.وقد أحدثت هذه الإجراءات -والتى فى تقديرنا لا تقل أهمية عن نصر أكتوبر العظيم- ارتياحا لدى الشعب.
وقد تعرض دور السادات فى حرب أكتوبر لتعتيم وتشويه متعمد من جانب خصومه، ومن المفارقات أن الأمجاد تهال على صانعى هزيمة يونيو وتهال التهم والإهانات على صانعى نصر العبور، فخصوم السادات يصورونه خائنا أعظم، وهو صانع نصر أكتوبر ويصورون عبدالناصر بطلا أعظم، وهو صانع هزيمة يونيو، فمن أبرز الاتهامات التى وجهت للرئيس السادات، أنه صنع النصر العسكرى الذى تحقق بالعبور وأنه صنع ثمار النصر السياسى.
فالحقيقة أن السادات دخل حرب أكتوبر وهو على يقين أنه لن يستطيع تحرير كامل سيناء بالقوة المسلحة بل أراد حربا محدودة تنهى حالة اللاسلم واللاحرب أطلق عليها اسم المآذن العالية.
وقد نجحت العملية نجاحا كبيرا واستطاعت مصر أن تعبر أكبر مانع مائى فى التاريخ وحطمت خط بارليف واستردت كرامتها فمن الثابت أن الميزان العسكرى بين مصر وإسرائيل عندما بدأت مصر الحرب لم يكن فى صالح مصر، وإنما كان فى صالح إسرائيل وهذه حقيقة يتجاهلها كثيرون ممن يتناولون حرب أكتوبر، ومن أجل ذلك فلم يكن فى مقدرة مصر العسكرية فى ذلك الحين خوض حرب تقودها إلى الممررات ثم إلى الحدود المصرية الإسرائيلية.
وقد أدرك السادات بعد التطورات التى حدثت أثناء الحرب والتدخل الأمريكى السافر إلى جانب إسرائيل، أن المعركة انتقلت إلى مستوى جديد لم يعد السلاح يلعب فيه الدور الأول، بل الدبلوماسية وكان حرصه على جيشه وشعبه أكثر من حرصه على مجده الشخصى، وكان خير ربان للسفينة عندما أخذت تعصف بها الأنواء فأداء الرئيس السادات السياسى بعد الحرب جزء لا يتجزأ من حرب أكتوبر.
ولكن بدأ انتقاد السادات لاتخاذه طريق السلام منذ بدأت المفاوضات لفصل القوات على الجبهتين المصرية والسورية فى عامى 1974 و1975 حتى جاءت زيارة الرئيس السادات للقدس فى 19 نوفمبر عام 1977 وهى اللحظة الأكثر درامية فى مسيرة الرئيس السادات فانطلقت براكين الانتقاد واللعن والتخوين للرجل وتحولت مع الزمن إلى مقولات متواترة نمطية ثابتة فى حواراتنا حول خطايا السادات على الرغم من ابتعادها كل البعد عن الفهم العقلانى والتحليل المنطقى.
ويذكر الأستاذ إبراهيم نافع أن من أبرز المغالطات فى تقويم ثمار السلام المصرى - الإسرائيلى اتهام السادات بتبديد مكتسبات حرب أكتوبر وتسلم الأرض التى اكتسبها عبدالناصر، وهى منقوصة السيادة مركزين فى ذلك على الترتيبات الأمنية التى تضمنتها مباحثات كامب ديفيد ومن بعدها معاهدة السلام 1979، حول تقييد التسلح وانتشار القوات المسلحة المصرية فى سيناء وانتشار المراقبين الدوليين خاصة بمحاذاة الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل.
وفكرة السيادة المنقوصة بالغة الغرابة بين سوء القصد فى إفراغ الإنجاز العملاق للسادات لتحرير الأرض من محتواه، فالمناطق منزوعة السلاح كانت على الجانبين ولا تنتقص من السيادة المصرية فعبدالناصر الذى هو السبب الأساسى فيما حدث كان قد قبل عقد هزيمة 1956 بفكرة وجود المراقبين الدوليين فى سيناء وقوات الطوارئ الدولية، وسمح لإسرائيل فى اتفاقية سرية، بالمرور فى خليج العقبة ولم يعرف المصريون هذا السر إلا قبل هزيمة 1967 بأيام قلائل، قبل عبدالناصر أيضا مبادرة روجرز للسلام حيث تنص النقطة الثالثة من المبادرة على «يقوم الأطراف بالاتفاق على وضع حدود آمنة ومتعارف عليها فيما بينهم بما فى ذلك الاتفاق على مناطق منزوعة السلاح وترتيبات عملية السلام فى شرم الشيخ»، فالسادات التزم بما كان عبدالناصر نفسه قد وافق عليه بالفعل كأساس للتسوية، فالناصريون يتجاهلون ذلك تماما.
ومن الاتهامات التى وجهت للسادات أيضا وإلى معاهدة السلام تهمة تبديد الإجماع العربى والتفريط فى الحقوق العربية واتجاه مصر إلى إعلاء مصلحتها، وأن السادات قد ساعد على بث الفرقة فى الصف العربى.
وقد صرح إسماعيل فهمى وزير خارجية مصر الأسبق بجريدة الوفد 24 أكتوبر 1985 أنه قال للسادات فى استقالته بالحرف الواحد «إن الذى سيحدث سيترتب عليه آثار خطيرة جدا على مصر وعلى العالم العربى»، ثم قال: وكل الذى حسبته وقع بالضبط النظام العربى كله تصدع لأن النظام العربى عبارة عن مصر + العالم العربى وليس العالم العربى + مصر.
فلا أحد ينكر أن حرب أكتوبر قد شهدت تنسيقا وتضامنا عربيا غير مسبوقين لكن لا يعنى ذلك تلاشى الخلافات العربية العربية قبل الحرب وبعد الحرب.
فانقسام العالم العربى سابق على مبادرة السادات، بل إن مبادرة السادات هى نتيجة وليست سببا لهذا الانقسام فالعرب لم يتوحدوا منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى اليوم، فحتى فى عصر عبدالناصر التفت الشعوب حوله بأمانى القومية العربية ولكن الحكومات العربية ظلت تناصب عبدالناصر العداء، وأطلق على فترة حكمه اسم «الحرب العربية الباردة» والتى بلغت ذروتها فى حرب اليمن.
فانقسام العالم العربى إلى كتل متصارعة متحاربة حول مشاكل لا تمت للصراع العربى الإسرائيلى بصلة، فصراع الجزائر والمغرب وموريتانيا حول الصحراء المغربية ثم نشبت فى الجنوب بين اليمن الجنوبية واليمن الشمالية، ثم بين نظام عدن والصومال وبينه وبين المملكة السعودية ونزاع الصومال مع جارتها إثيوبيا ونزاع العراق مع جارتها إيران... إلخ، وكل ذلك على حساب أولويات تحرير الأراضى العربية المحتلة من قبل إسرائيل منذ حرب يونيو 1967.
وقد تمزقت جبهة المواجهة ضد إسرائيل منذ عام 1976 ولم يكن لمصر يد فى ذلك من قريب أو بعيد، ففى يونيو 1976 دفع النظام السورى بقواته إلى لبنان بدلا من إسرائيل وفى يوليو ارتكب مذبحة تل الزعتر فانهار لبنان.ولعل أهم ما فعله السادات للدول العربية التى احتلت أراضيها فى يونيو 1967، أنه وضع فى اتفاق كامب ديفيد الأساس الخاص وهو مبادلة الأرض بالسلام.
وقد عمل الرئيس السادات على استثمار السلام المصرى الإسرائيلى للحصول على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فمسألة ربط المسارين المصرى والفلسطينى واختلاف السادات وبيجين، حول تفسير اتفاقية كامب ديفيد فى هذا الشأن كانت من أهم العقبات التى كادت تنسف معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية.
كامب ديفيد:
◄اتفاقية كامب ديفيد تم التوقيع عليها فى 1978م بين الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحيم بيجن بعد 12 يوما من المفاوضات فى المنتجع الرئاسى كامب ديفيد فى ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن، وكانت المحاور الرئيسية للاتفاقية هى إنهاء حالة الحرب، وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التى احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة، وتضمنت الاتفاقية أيضاً ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية، تضمنت الاتفاقية أيضا.
لمعلوماتك..
◄ 1941 دخل السادات السجن لأول مرة أثناء خدمته العسكرية وذلك إثر لقاءاته المتكررة بعزيز باشا المصرى.
◄ 1948 بعد خروجه من السجن عمل بمجلة «المصور» ثم عمل بعدها بالأعمال الحرة مع صديقه حسن عزت.
◄ 1950 عاد إلى عمله بالجيش بمساعدة زميله القديم الدكتور يوسف رشاد الطبيب الخاص بالملك فاروق.
◄ 1953 أنشأ مجلس قيادة الثورة جريدة «الجمهورية» وأسند إليه رئاسة تحرير هذه الجريدة.
◄ 1969 اختاره جمال عبدالناصر نائباً له، وظل بالمنصب حتى يوم 28 سبتمبر 1970.
◄1977 أنور السادات زار تل أبيب وألقى كلمة بالكنيست
زعيم كبير حرص على جيشه وشعبه فى حرب أكتوبر أكثر من حرصه على مجده الشخصى
الجمعة، 28 نوفمبر 2008 08:19 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة