ناهد إمام

قبلات مفروضة

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2008 11:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما بين "قبلات مسروقة " والـ 42 قبلة التى تم إنجازها خلال 30 ثانية فى اليوم العالمى الرابع للأرقام القياسية الذى نظمه كتاب جينيس الأربعاء 12 نوفمبر , كنت أفكر فيما يمكن أن نجنيه من سعادة حقيقية من خلال القبل!

القبل التى دخلت الموسوعة حققتها عارضة الأزياء روث رينولدز (24 عاما)، التى استطاعت أن تقبل كل هذا العدد من الرجال فى هذه المدة الوجيزة من الزمن ونشرت لها صحيفة "الصن" البريطانية صورة وهى تحمل شهادة تثبت أنها سجلت رقما قياسيا فى تقبيل الرجال!

لاشك أن إنجاز روث المشرف الذى كهرب كل هؤلاء الرجال – وهذه الكهربية حقيقة علمية - زامنه جهد خارق, ولكننى توقفت فى الحدث عند تعليق كريج جلينداى، رئيس تحرير كتاب جينيس للأرقام القياسية الذى عبر فيه عن سعادته بتحمس الناس وسعيهم نحو تحقيق أهدافهم .. إلخ .

صحيح ما أجمل أن تكون القبلات أهدافاً يتم إحرازها , ولكن السؤال المنطقى هنا مادمنا نتحدث عن أهداف وخطط ورؤى هو: ماذا بعد التقبيل ؟!
فإذا كان الهدف غالباً هو تحقيق السعادة .. فهل حققت هذه النوعية من القبلات المسروقة والجينيسية , السعادة لأصحابها ولمن يودون تقليدهم ؟!

لم أهتم كثيراً بتخمين الإجابة عن السؤال أو حتى الجزم , فلسعات البرد التى بدأ الشتاء يرسلها ليلاً قادتنى إلى تفكير أكثر أهمية، وهو كيفية إدخال الدفء إلى بيتى هذا الشتاء بطريقة مبتكرة بعيداً عن المدفأة والبطاطين والنسكويك, والقرفة باللبن, فضلا ً عن طبق الشوربة الرئيسى بأنواعه وأصنافه على المائدة الشتوية كما هو معروف .. هذه كلها لاتكفى .

سأدفئ بيتى بالقبل , هذا هو القرار الأسرى الشتوى الجاد، والذى ربما بعد تقييم الأداء والنتائج يتحول إلى قرار حياتى على التأبيد , نعم , قررت أن تكون "القبلات" - لغة التعبير الأكثر بلاغة من الكلمات - هى لغة التحاور الرئيسية بينى وبين صغارى .. وإن حالت بعض الظروف القهرية الغامضة التى تحدث أحياناً دون إكمال "النصاب" من تقبيلهم فلابد أن يتم التعويض على دفعات. تذكرت أيضاً أننى قرأت منذ سنوات تجاوزت العشر بقليل وقبل ميلاد ابنى الأكبر حينما كنت أتجهز ثقافياً للأمومة, أن الإنسان الذى ينشأ فى بيت فيه تقبيل واحتضان يكون أصح نفساً من الإنسان الذى ينشأ فى بيت لا قبلة فيه ولا احتضان.

على اختلاف أعمارهم, سأقبل صغارى الثلاثة, قبل النوم منعاً للكوابيس، وفى الصباح حينما تستيقظ العيون الصغيرة الراغبة فى المزيد من النوم, وعند الخروج للمدرسة, وعند العودة, عند اللقاء وعند الوداع . مع أى انجاز يحققونه , ستكون القبلات "before" و " after" .. حافزاً ومكافأة , عند الغضب قبلات مهدئة، وعند الصفاء قبلات راضية ,عند الفرح وعند الحزن , قبل تناول الطعام قبلات تفتح الشهية, وقبل المذاكرة أخرى تفتح العقل وتبث الثقة , ولابد أن تزيد الجرعات التقبيلية عند الامتحانات وعند المرض "لاقدر الله".

بعد أيام من التطبيق عشت فيها وسط "عزوة من التقبيل " , اكتشفت أن " القبلات" مرهم عاطفى للأبناء ليس له مثيل, لافرق بين مراهق ورضيع , وربما يكون المراهق أشد حاجة للتقبيل، على عكس ما نعتقد كآباء وأمهات من أنه "خلاص كبر"، ففقد التقبيل فى هذه المرحلة العمرية قد يدفع إلى تعويضات فمّية بديلة مثل التدخين، أو تعاطى المخدرات, أو التهام الطعام بشراهة, أو حتى " القبلات المسروقة" كما يؤكد الاختصاصيون .

اكتشفت أيضاً أن للتقبيل " بركات" كثيرة حلت على بيتى, فقد قل الشجار والصراخ بين "العيال"، وخيّمت سحابة من الرحمة والحنان أدعو الله كثيراً ألا تختفى! اكتشفت أيضاً أن نتائج التقبيل هذه لا عجب فيها , فعن طريق الشفاه والفم يكتسب الطفل أول سلوك وأول خبرة حياتية عند الرضاعة, فالشفاه هى أول لغة يجيدها الطفل ويتواصل بها مع أمه .. إنها خصوصية أمومية، إذن لها امتداد لكنه مختلف فى الشكل والكيفية .

هل جربت أن تقّبل ابنك / ابنتك وهم نيام ؟
نعم .. حتى فى النوم نقبّلهم .. وهذه القبلة على الخصوص هى أحب القبل إلى نفسى وأكثرها إخلاصاً برأيى .. أن أقبل هذا النائم بدون انتظار لمعرفته التى ربما يترتب عليها أن يبادلنى القبلة أو يمتن لأجل ذلك .. فقط أقبّل لأنى أحب وبدون مقابل أو رد فعل !

وهكذا تظل " الشفاه " وحدها قادرة على فعل ما لا يستطيع غيرها فعله فى التواصل الإنسانى الدافئ .. " ألم نجعل له عينين , ولساناً وشفتين " البلد 8.9 .. لا أدرى لماذا تذكرت جدتى رحمها الله وهى تقبّل اللقمة وأنا طفلة قبل أن تناولنى إياها, إنها رسالة حب بلا منازع , لابأس فلأتعلم توسيع دائرة التقبيل إذنً .

سأقبّل الطعام والكساء .. سأقبّل الخدين والرأس والجبين وجفون العينين .. قّبّلوا أنتم أيضاً .. فهذه القبلات تحقق السعادة .. قبلات مفروضة ليست مسروقة ولا محظورة .. قبلات تستحق أن ندخل بها الموسوعات .. قبلات تستحق أن نناضل لنمنحها ونجعلها هدفاً نتحمس لتحقيقه .. إنها قبلات يكفى أنها تبنى إنساناً هو أغلى انسان .





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة