.. اختراقا الهنجرانية وتقاسما معهم الحصيلة!

صحفيا اليوم السابع يدخلان عالم التسول

الإثنين، 17 نوفمبر 2008 11:22 م
صحفيا اليوم السابع يدخلان عالم التسول محررا اليوم السابع خلال المغامرة!
تجربة يمنى مختار- محمد عبد العاطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"ربنا ما يرقد لك جتة"،"ربنا يسترك دنيا وآخرة"،"إلهى ما يغلبلك ولية ويستر عرضك"، تلك هى كلمات التسول التى اعتادنا عليها قديماً حين كان المتسول شخصا محتاجا ولا يقدر على العمل، أما اليوم فقد تغيرت الصورة كثيرا, وخاصة بعد أن أصبح التسول مهنة يعمل بها كل من تكاسل عن العمل لدرجة يصعب التفرقة فيها بين المحتاج والمحتال.

فالمهانة التى كان يشعر بها المتسولون, وهم يمدون أيديهم طلبا للرزق لم يعد لها وجود، وأصبح المتسول لا يشعر بأى حرج، بل على العكس فبعضهم يعتقد أنه يطبق الأمر القرآنى فى سورة التوبة "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا"!

والحق أن التسول من الأعمال المربحة، فهناء تلك الطفلة ذات التسع سنوات التى تصعد إلى الأتوبيس لتوزع على الركاب قصاصات الورق وتجمعها مرة أخرى، ومعها عدة جنيهات، تعود إلى بيتها يومياً بعد ثلاث ساعات من التنقل بين الأتوبيسات, وهى تحمل مبلغ 50 جنيهاً.

ومع تزايد أعداد المنتقبات فى الشارع المصرى، اتخذت الكثيرات من السيدات منه ستارا لممارسة التسول، تخفى وراءه شخصيتها وتتنقل بين الأتوبيسات ومعها قصاصات ورق صغيرة مطبوعة، لا يختلف محتواها كثيرا من متسولة لأخرى, فالآية الكريمة "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس إلحافاً, وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم"، هى القاسم المشترك مع إضافة بعض التوابل التى تجعل الناس تتعاطف مع حالتهم, فالأب دوما متوفى، والأم تجرى على رزق أبنائها الأيتام, الذى أصيب بعضهم بالسرطان والبعض الآخر بالفشل الكلوى.

عدد المتسولين الذى نراهم يوميا جعلنا نفكر فى استحالة أن يكون كل هؤلاء من المحتاجين، وهو الأمر الذى دفعنا للاقتراب من هذا العالم الذى لا نعرف عنه الكثير لنتعامل معهم كأننا منهم، قررنا النزول للشارع ومشاركة المتسولين مهنتهم.

جلباب فضفاض بسيط وفوقه خمار ونقاب أسود، تلك الملابس التى اختارتها محررة اليوم السابع. أما المحرر فقد ربط إحدى قدميه بجبيرة, بينما ربط الأخرى برباط ضاغط أغرقه بالبيتادين مع الاستعانة بعكازين لتبدأ رحلتنا الأولى مع التسول.

كان القلق يساورنا فى البداية خوفا من انكشاف أمرنا، إلا أن خطواتنا الأولى أكدت لنا مدى اقتناع الناس بنا، حيث استوقفتنا متسولة لترشدنا إلى مكان تجمعهم "ما تروحى يا أختى جامع الحامدية الشاذلية بيوزعوا هناك 10 جنيه على كل واحدة"، ووصفت لنا الطريق ورحلت فى اتجاه مسجد آخر.

الجنيه الأول لنا لم نبذل جهدا كبيرا للحصول عليه، فما كان منا إلا أن قلنا لصاحب دراجة بخارية يقف أمام مسجد مصطفى محمود "كل سنة وأنت طيب"، تلك الكلمة السحرية التى تفتح الأبواب المغلقة, والتى تحولت من عبارة تهنئة إلى لفظ شائع "للشحاتة".

"الشرطة تطارد المتسولين وتقبض عليهم"، يمكننا التأكيد أن هذا الاعتقاد عار تماما من الصحة، فرغم جلوسنا بجوار السفارة القطرية التى تقبع بجوارها دورية للشرطة، إلا أن أحدا لم يعترض طريقنا, بل إن المثير أن بعض المارة استدعوا الشرطة للمصور المرافق لنا، ومن هنا أدركنا أن ما نقوم به هو عمل مشروع، بعكس التصوير الصحفى الذى يثير الشبهات.

قابلنا مجموعة متباينة من المتسولين منهم: سيدة مسنة تبيع المناديل فى أحد الشوارع الجانبية، وأخبرتنا أنها فى انتظار سكان المنطقة الذين يجودون عليها من آن لآخر بوجبة طعام، جلسنا بجوارها نتجاذب أطراف الحديث إلا أنها صدتنا، وطلبت مننا أن ننصرف بذوق لأن من يأتى لها بالوجبة اليومية ينصرف إذا وجد أعداداً كبيرة تحيط بها.

انتقلنا للمكان الثالث، بين الهنجرانية المعروفين باحترافهم السرقة أو التسول، مع العلم أن مكانهم معروف لسكان المنطقة جيدا "أمام أحد المطاعم الشهيرة بشارع جامعة الدول العربية"، إذا قادتك قدماك إلى تلك المنطقة فى أى يوم ستشاهد مشاجرات حامية على تقسيم الغنيمة.

جلسنا بينهم فى محاولة لمعرفة أى معلومات عن زملاء المهنة الجدد، فنصحتنا إحداهن بالاقتراب قليلاً من المطعم ربما نحصل على بقايا طعامهم، وسرحت متأملة "الناس دى بتاكل بخمسين ومائة جنيه وبيرموا باقى الأكل للقطط، وإحنا مش لاقيين العيش الحاف، إحنا أولى بالأكل اللى يفضل منهم".

يخرج رجل يرتدى جلباباً عربياً، ويبدو عليه أنه ثرى عربى يحمل فى يديه رزمة من الجنيهات التى يوزعها يمينا ويسارا، بينما تحيط به نساء الهنجرانية من كل جانب، ينجح فى الخلاص منهم بصعوبة حيث تنطلق سيارته تاركة وراءها مشاحنات تلك النسوة على الجنيهات القليلة التى استطعن اقتناصها.

وأثناء خروجه، انهال السايس التابع للمطعم على المتسولات بسيل من الشتائم البذيئة، دون أى مبرر واضح، إلا أننا اكتشفنا أن الأمر لا يعدو أن يكون جزءاً من تمثيلية تتكرر بمجرد خروج أى ثرى حيث يعطى لهم إشارة ببدء الهجوم عليه ليأخذوا نصيبهم.

المثل الشائع يقول "مشافوهمش وهما بيسرقوا، شافوهم وهما بيتقاسموا"، حان وقت القسمة, وبما أننا شاركنهن فى الهجوم على هذا الثرى، فقد طالبنا بنصيبنا وجاءنا الرد "أنتم مكنتوش واقفين معانا .. وبعد أخد ورد والخناقة التى قامت من أجل 25 قرشاً، كان نصيبنا 50 قرشاً كاملة.

أحد البوابين سألته عما يعرفه عن تلك المتسولات، فقال, إن الشرطة تقبض عليهم كل فترة وتفرج عنهم بكفالة 40 جنيهاً، يدفعها أحدهم ليستأنفوا نشاطهم من جديد، ثم تغيرت نبرة صوته فجأة "أصل أنتم يا باشا كل ما تعملوا حملة وتمسكوهم يرجعوا تانى"، حيث أيقن أنه أمام ضابط مباحث متخفى، ورغم نفينا لذلك إلا أنه فاجأنى بقوله "أنا والله يا باشا ما حفتح بقى ولا أقول إن حد بيعمل تحريات عنهم".

أما فى شارع شهاب، فالتسول يعتمد على الأطفال المدربين جيدا على الإلحاح، لا يمكن التخلص منهم بسهولة يسير خلفك الطفل من أول الشارع إلى آخره دون كلل أو ملل. عبد الله ذو العشر سنوات هو أحد هؤلاء الأطفال يأتى مع أمه وأخته يومياً للتسول فى الفترة ما بين العصر وحتى العشاء، ليدخر ما يمكنه من شراء ملابس جديدة "شايفة البت الصغيرة دى، جابت إمبارح ورقة بخمسين جنيه" تلك الطفلة هى أخته التى تطلقها أمها فى شارع شهاب لتثير عطف وشفقة المارة.

"إعط المحتاج ولا تعط المحتال"، الشعار الذى رفعته ساقية الصاوى للقضاء على التسول كمهنة انتشرت فى كل شوارع مصر، ربما لو طبقناها واقتصر كل منا على إعطاء المحتاجين من أقاربه ومعارفه، تقل ظاهرة التسول، كما انتهت رحلتنا معه, والتى استمرت لأكثر من 4 ساعات، جمعنا خلالها 8 جنيهات ونصف تبرعنا بها لإحدى الجمعيات الخيرية..





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة