رغم أن جميع الأمم تحاول جاهدةً أن تصون تراثها وتحفظ منهجها، الذى تعتمد عليه فى تأسيس حضارتها، فإن هذا لا يمنع من القول، أن لدينا كتب التراث الإسلامى، والتى تشمل كتب التفاسير والأحاديث والسيرة النبوية العطرة وغيرها، فى حاجة ملحة إلى تحقيق ومراجعة دائمة، وتصحيحها تصحيحاً دقيقاً، ضمن قواعد وأصول التحقيق العلمى.
ومعروف أن جهود العلماء السابقين والمعاصرين، تفاوتت فى ذلك تفاوتاً كبيراً، مما يجعل النظر فى إيجابيات هذا التحقيق وسلبياته، أمراً ذا فائدة، بمعنى الأخذ بالصواب وتجنب الخطأ.
فعندما فشل اليهود فى تحريف القرآن الكريم، بتغيير أو إضافة مالم يكن فيه؛ بحثوا عن شيئين آخرين لاختراق الأمة الإسلامية وتضليل أبنائها، وكان هذا من خلال اختراقهم لكتب التفاسير والأحاديث، ومن هذا المنطلق وجدنا من خلال جهود التحقيق والتنقية العديد من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وغيرها، فليس غريبا أن نجد العديد والعديد من كتب الحديث، غير محققة حتى يومنا هذا، تحقيقاً جيداً بالشكل الذى ينبغى أن تكون عليه كتب الحديث، والمعلوم لدينا أن من كتب الحديث التى تم تحقيقها بالفعل دون الكثير من الكتب الأخرى، «مسند الإمام أحمد، والترمذى، والنسائى، وابن ماجة» فقط.
وهنا أسأل: أى الكتب الأخرى التى تم تحقيقها، ومن الذى قام بالتحقيق والتنقيح لها، وعلى أى أساس منهجى وعلمى اعتمد على تحقيقه لهذه الكتب، التى تحمل كلام سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
وأرى أنه لزاماً على الأمة، أن تجدد حالها الذى يرثى له، وتحقق تراثها بأكمله، وتجتهد لغربلة هذا التراث من التحريف والتدليس والإسرائيليات، التى تحاول أن تنخر فى قوائم المنهج الصحيح لما يتقبله العقل، والتى تشوش على الصحيح من النقل عن رسول الله.
إن من يدعى أن كتب الحديث ميزت الحديث الصحيح من الضعيف منها؛ إنما يحاول بهذا الادعاء أن يغلق باب الاجتهاد فى عمليات البحث والتحقيق والتنقيح، بحجة أن علماء الحديث الأولين بذلوا الجهد القويم فى تحرى الدقة فى جمع الأحاديث، وبينوا الأحاديث الضعيفة والصحيحة والموضوعة فى كتب معروفة وموجودة بين أيدى المسلمين، وعموما فإن إدعاءه مردودٌ عليه، والدليل على ذلك أن الكثير من الأحاديث التى قال عنها الترمذى «حسنٌ صحيح» ضُعِّفت بعد ذلك، فقد وثق فى بعض الرجال من رواة الأحاديث، ثبت بعد وفاتهم أنهم لم يكونوا أهلا لتلك الثقة، ولا يصح أن أقول إن جميع الكتب مضبطة وصحيحة؛ فبعض الكتب لعبد الملك بن هشام صاحب سيرة بن هشام وغيره ليست محققة، وكتاب البداية والنهاية للإمام الجليل الحافظ عمادالدين أبى الفداء إسماعيل ابن كثير غير محقق، ليس هذا فحسب، بل إن تفسير الطبرى خرج منه إسرائيليات ومع هذا لم يتم تحقيقه وتنقيحه بعد.
وإذا نظرنا بصورة أكثر موضوعية إلى بعض كتب ابن القيم، لوجدناها تحتاج إلى تحقيق وتنقيح؛ فقد لاحظت تناقضاً كبيراً فى كلامه عندما تحدث عن الرجل وعلاقته بزوجته، ما بين كتابه «زاد الميعاد» وكتابه الآخر «روضة المحبين».
وعلى ما تقدم أرى أنه من الأهمية بمكان إعادة النظر فى كتب التراث وخاصة كتب الأحاديث، وضرورة العمل على تنقيتها، وإن كنت أفضل أن أؤكد على كلمة «تحقيقها»، للحفاظ على هذا الإرث العظيم الذى تهتدى به الأمة، وينير لها الظلمات، وهنا لابد من الإشارة إلى فضيلة الشيخ المحدث الراحل الشيخ الألبانى، الذى عرف هذا النهج وحمل هذا الهم، حيث تصدى لأحاديث كثيرة جداً كانت فى غير موضعها، وصنفها أيما تصنيف بناءً على منهج علمى سليم، يقوم على التثبُّت والدقّة فى الرواية والنقل، وعلى الحجة والدليل الواضح الصحيح علاوةً على التجربة والبرهان، وأفنى حياته فى تمحيص الصحيح من الضعيف والعكس.
صحيح البخارى:
جمعه الإمام البخارى «جامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله محمد وسننه وأيامه» والنسخة الكاملة والأصلية غير المنقحة موجودة فى متحف بتركيا. هو أول مصنف فى الحديث الصحيح المجرد، وجاء مبوبا على الموضوعات الفقهية، وجملة أحاديث كتابه: سبعة آلاف ومئتان وخمسة وسبعون حديثًا بالمكرر، ومن غير المكرر أربعة آلاف حديث. قام على جمعه والتحقق من صحة الأحاديث النبوية الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، والبخارى نسبة إلى بخارى فى آسيا الوسطى، كان عمره ست عشرة سنة يوم ابتدأ بكتابة الصحيح، وانتهى وعمره ثمان وثلاثين سنة.
لمعلوماتك..
◄ 2007 رفع دعوى ضد شيخ الأزهر لإلزامه بتنقية كتب السنة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة