قتلها فى أيامها الأخيرة، أيام حملها الأخيرة، أو أيام حياتها الأخيرة، فالأمران يستويان، إذ نشر أهرام الخميس 9 من أكتوبر الجارى، خبر وفاة ميرفت عبدالسلام عبدالفتاح «30 سنة» التى دخل عليها ضابط الشرطة الرائد أحمد أنور، بمركز سمالوط المنيا، يفتش منزلها بغير الطريق القانونى، فلا يحمل إذنًا من نيابة، ولا أمرًا من محكمة، ولا هى متهمة أصلا فى أى شىء، كل ما فى الأمر أن شقيق زوجها متهم فى إحدى القضايا، دخل عليها الضابط المذكور ليقتلها ويقتل حملها.
يا سبحان الله، لازال ضباط الشرطة يقتلون الناس، وينتهكون حرماتهم، ويعتدون على القانون، وعلى الدستور، ويفسدون فى الأرض، ويهلكون الحرث والنسل، إن إحساسى أنها أيامه الأخيرة، لا أيامها الأخيرة، إن إحساسى أن أيامه معدودة، لا أيام حملها، فقد ماتت ميرفت، ومات معها حملها، يشكوان إلى الله ظلمه، واستبداده، وقهره، وجبروته، وفساده، وعناده..
كان أسدًا على المواطنين، وفى كل حربٍ نعامة..!
ما كان الضابط أحمد أنور، ليقتل ميرفت وحملها إلا لاطمئنانه ويقينه أنه ينفذ ما أُمِرَ به، وأن ميرفت وحملها، شأنهما شأن كل من قُتل قبلهما، فى أقسام الشرطة، أو الشوارع، فى سويداء القلب، أو العمارات المنهارة، أو الحرائق، أو الدويقة، أو العبَّارة التى لايزال مالكها ممدوح إسماعيل مستظلا بظل حمايته فى النيابة، والقضاء، والإعلام..!
لم يفكر الضابط أحمد أنور فى أن أحدًا سيُسائِلهُ، وإنما كل ما كان يشغل فكره وخياله، هو إرضاء رؤسائه، ثم رؤساء رؤسائه، ثم.. ثم.. ثم رئيسهم.
ولأنها أيامه الأخيرة، فقد تحلل من كل شىء، وترك كل شىء، بعد أن زرع مقومات انهيار.. كل شىء.. فبلادنا الآن مفتوحة، أو قل إن شئت جزر منعزلة، يحكمها عدد من المتنفذين، كل يحكم دولته الصغيرة بطريقته الخاصة، فالأمن له رجل، والحِزْبُ له رجل، والبنوك والأموال مسئول عنها ثالث، والأراضى لها رابع، والمعارضة وباقى القوى السياسية يتعامل معها خامس، وكوارث الناس ليس لها مسئول، كإسرائيل تمامًا، ليس أمامها رجل.. هكذا تُحكم البلاد الآن، كل له سياسته الخاصة، وله أساليبه الخاصة، وله حساباته المعقدة، التى لها ترتيبات فى الداخل، وتوازنات فى الخارج، وتتقاطع مع التوريث المحتمل، أو الانقضاض غير المحتمل، ومشاكل الناس تكبر وتتزايد، وأصحاب الملفات مشغولون بتستيفها، وإخفاء ثرواتهم، لقد شهد التاريخ أيامًا أخيرةً لكثير من الملوك والرؤساءِ والأمراءِ، ولكنها - قطعًا - لم تكن كتلك الأيام الأخيرة التى يعيشها.
لقد حَكَم علينا بالفقر حتى أيامه الأخيرة، وعلى الأجيال القادمة بالإفلاس حتى أيامهم الأخيرة.
لقد ماتت ميرفت وهى فى الثلاثين من عمرها، ومات جنينها قبل أن يولد، وكما ذكرت الأهرام أن الضابط قاتلها، تبين له بعد أن قتلها أنها كانت حاملا فى شهورها الأخيرة، فأين كانت عيناه؟! أو عين المخبرين الذين ساعدوه فى القتل كما نشرت الأهرام؟! إن الجبار فى أوضاعٍ معينة، وفى أحوالٍ معينة، وفى سن معينة، يصلُ إلى انعدامٍ تام فى الرؤية والبصر والبصيرة، ويُصِّرُ على مسلكه، ولا يلوى على أحدٍ.. هذه هى العلامات أو الأمارات التى بها أحسست، بل تيقنت، أنها أيامه الأخيرة، التى تتوافق مع أيام هذه الجريدة الأولى..!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة