ضجة واسعة شهدها العالم خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع انتشار العملات الرقمية على نطاق واسع، وتصاعد قيمتها وحجم تداولاتها، ولعل نموذجها الأبرز عملة "البيتكوين" التى صعدت لمستوى قياسى يلامس 17 ألف دولار أمريكى للوحدة منها، وفى ضوء هذا الجدل والقيمة التداولية ومستويات الأرباح والمخاطر، قفز ملف العملات الرقمية للواجهة فى دول عديدة.
بينما تسمح اليابان ودول أخرى بالتعامل ببعض العملات الرقمية على استحياء، ومنعتها عشرات الدول الأخرى، وأفتت دار الإفتاء المصرية بحرمة تداولها، يظل الحديث عن العملات الرقمية وما فعلته "البيتكوين" بالعالم حديث الساعة وصاحب الصوت الأعلى لوقت طويل، وربما يعبر الانتشار الواسع لهذه العملة وغيرها من العملات الرقمية عن رغبة عالمية جامحة للتحرر من القيود المالية، والوصول لمستوى أوسع وأكثر انفتاحا من حرية التداول المالى والنقدى، وأن يتخلص المواطنون من قيود النظام المالى العالمى، ولكن استمرار تداولها بلا نظام أو رقابة قد يهدد أمن وسلامة العالم، خاصة إذا أُسىء استخدامها فى تمويل عمليات غير مشروعة.
البنك الدولى
البادى من الصورة أن خيارات البنوك المركزية حول العالم محدودة أمام اجتياح "البيتكوين"، فإما أن تسمح بالتعامل بها كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وألمانيا، حتى لو كان الأمر بهدف تحصيل ضرائب على هذه المعاملات فقط، أو أن ترفضها وتحظر التعامل بها مثلما فعلت أغلب دول العالم، أو حتى تكتفى بالتحذير منها، ولكن الخيار الثالث الذى اتخذته دول قليلة مؤخرا يبدو أنه سيكون فى سبيله للتراجع خلال الفترة المقبلة، عبر بروز مؤشرات عن اتجاه دول وحكومات عديدة للاستفادة من تقنية "البلوكتشين" المستخدمة فى إصدار العملات الرقمية، بما يُمكّن هذه الدول من إصدار عملاتها الافتراضية الخاصة، لتكون مسؤولة عن تنظيمها وتداولها والرقابة عليها، والمؤشر الأقوى حتى الآن أن هذا التوجه قد يكون توجه العالم فعلا فى المستقبل القريب.
1000 عملة رقمية بقيمة سوقية تتجاوز 700 مليار دولار
تكنولوجيا "البلوكتشين" ببساطة شديدة عبارة عن دفتر معاملات إلكترونى، تُسجل عليه كل المعاملات بالعملات الرقمية لحظيا، وهو أساس عمل العملات الرقمية، وفى مقدمتها "البيتكوين"، وليس معنى تصاعد مخاوف عدد من الدول بشأن الأمر ومهاجمتها للعملة واسعة الانتشار عالميا "البيتكوين" بعد اتساع التداول بها، أن التقنية نفسها خاطئة، ولكن يمكن الاستفادة منها بشكل كبير فى أن تكون للدول المختلفة عملات إلكترونية خاصة تحت مظلة هذه المنظومة.
عملات ورقية
ويشهد العالم فى الوقت الحالى تداول حوالى 1000 عملة رقمية إلكترونية مشفرة، بقيمة سوقية تتجاوز 700 مليار دولار، ولكن كل هذه العملات لا تخضع لرقابة أى من البنوك المركزية أو الجهات التنظيمية، ويتسع نطاق تداولها بصورة أذهلت حكومات العالم وأثارت مخاوفها، فرغم قبول عديد من المتاجر حول العالم لهذه العملة كوسيلة شراء، مثل مايكروسوفت وجوجل وغيرهما، وهو ما يسهل كثيرا من التعاملات، إلا أن هذه العملات يمكن استخدامها كوسيلة فى تمويل أى تجارة غير مشروعة، مثل المخدرات والسلاح وعمليات الإرهاب، دون إمكانية تتبعها، لأن لا أحد يعرف من يشترى أو يبيع "البيتكوين" حول العالم.
5 دول تعلن إصدار عملات رقمية خاصة بديلا لـ"البيتكوين"
رغم المعارضة الأولية التى شهدتها العملات الرقمية، إلا أن انتشار "البيتكوين" وتصاعد قيمته فى الفترة الأخيرة، دفع عددا من الدول على ما يبدو لدخول هذا المضمار والاستفادة منه، إذ أعلنت 5 دول ذات اقتصادات قوية، بريطانيا وفنزويلا والإمارات وروسيا واليابان، عن إصدار عملاتها الرقمية الخاصة، لتكون بديلا لـ"البيتكوين" وتُستخدم فى كل المعاملات المالية الرسمية، الحكومية أو الخاصة.
البيتكوين
روسيا من أكثر الدول التى هاجمت البيتكوين وحظرت تداولها، ولكنها أيضا من أوائل الدول التى أعلنت عن قرب إصدار عملتها الإلكترونية الخاصة باسم CryptoRuble "كريبتو روبل"، وبحسب المعلومات المتوفرة فستخضع هذه العملة لرقابة البنك المركزى الروسى، وإذا لم يُصرّح الشخص بمصدر هذه العملة عند تبديلها بالروبل الروسى سيخضع لضريبة ثابتة قدرها 13%، لتجنب عمليات غسل الأموال، كما ستُفرض أيضًا ضريبة تلقائية بنسبة 13% على فرق العملة المكتسب من المعاملات التى تنطوى على شراء وبيع عملة CryptoRuble الرقمية.
أما دبى بالإمارات العربية المتحدة، فقد أطلقت بالفعل عملتها الرقمية الأولى فى أكتوبر الماضى باسم emCash، وستُستخدم هذه العملة الإلكترونية فى خدمات الدفع الحكومية وغير الحكومية، ابتداء من دفع ثمن القهوة ورسوم مدارس الأطفال، إلى رسوم المرافق والتحويلات المالية، بحسب تصريح على إبراهيم، نائب المدير العام لاقتصاد دبى فى وقت سابق.
وسعيا لمواكبة التكنولوجيا العالمية، والاتجاه الواسع للتعاملات المالية الرقمية، تخطط مؤسسة النقد العربى السعودية، لإطلاق عملة رقمية تجريبية للتداول بين البنوك، طبقا لما صرح به أحمد الخليفى، محافظ المؤسسة، خلال شهر أكتوبر الماضى.
فنزويلا تهرب من العقوبات بـ"بترو".. وبريطانيا واليابان على الخط
ضمن التحركات الدولية للتعامل مع هذا الملف، لجأت فنزويلا قبل أيام لإصدار عملتها الرقمية الخاصة الجديدة "بترو"، هربا من العقوبات المالية الأمريكية التى تسببت فى تعرض اقتصادها للتدهور الشديد، وستكون هذه العملة مغطاة بالثروة الهائلة من النفط التى يمتلكها البلد الغنى بالثروات الطبيعية، إذ تخصص الدولة 5 مليارات برميل من احتياطى النفط لتغطية إصدار العملة الإلكترونية الجديدة.
وتعانى فنزويلا من تردٍّ هائل فى أوضاعها الاقتصادية، بعد تراجع أسعار النفط عالميا، بعدما كانت من أغنى دول أمريكا اللاتينية، إذ تعتمد فنزويلا بشكل كامل على النفط كمصدر رئيسى لدخلها من العملة الصعبة، وتفاقمت أزمتها مع إعلان الدائنين ووكالات التصنيف الدولية عدم قدرتها على سداد ديونها والفوائد المترتبة عليها.
على الجانب المقبل، وفى أوروبا، تعكف بريطانيا على الاستعداد لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة، من خلال تجارب يجريها البنك المركزى البريطانى، وستكون العملة مرتبطة بالجنيه الاسترلينى، بما يسمح للمواطنين بادخار أموالهم رقميا لدى البنك المركزى بسهولة، ويسمح أيضا بإجراء أى عمليات شراء بسرعة من خلال هذه التقنية.
وفى اليابان، فرغم سماح طوكيو بتداول "البيتكوين" على نطاق واسع، إلا أن اتحادا مكونا من مجموعة من البنوك، بقيادة مجموعة ميزوهو المالية وبنك اليابان بوست، يعتزم إطلاق عملة رقمية جديدة، تزامنا مع دورة الألعاب الأولمبية "طوكيو 2020"، ويحظى المشروع بدعم من البنك المركزى اليابانى والحكومة، وهو ما يمكن اليابانيين من دفع ثمن السلع والخدمات باستخدام الهواتف الذكية بسهولة شديدة.
محللون: قد يشهد العالم عملة رقمية معتمدة من البنك الدولى قريبا
الضجة التى شهدتها الأسواق المالية العالمية خلال الفترة الأخيرة، دفعت عددا من الدول للتعامل بجدية أكبر مع ملف العملات الرقمية، فلجأت عدة دول لخيار المشاركة بالاستفادة من تقنية "البلوكتشين" لتيسير المعاملات المالية، دون ترك هذا المسار المالى عرضة للتقلبات غير المفهومة، أو إساءة استخدامه فى عمليات غير مشروعة.
وبحسب متابعين ومختصين فى القطاع المالى والتعاملات المصرفية، فمن غير المستعبد أن نرى فى وقت قريب عملة إليكترونية عالمية منظمة، غير قاصرة على دولة بعينها، يمكن مشاركتها والتعامل بها فى أى مكان فى العالم، وفى الوقت ذاته تخضع للرقابة والسيطرة على نطاق واسع وأكثر إحكاما، وقد يعتمدها صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى فى عملياته الدولية، وهو ما يمنحها الشرعية العالمية، لتكون بديلا لـ"البيتكوين"، وخطوة واسعة على مسار تغير آلية التعاملات المالية والنقدية فى العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة