يواصل الأقباط فى مصر صوم الميلاد، أحد أهم المواسم الروحية فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، استعدادًا للاحتفال بميلاد السيد المسيح فى السابع من يناير المقبل. ويُعرف صوم الميلاد بطابعه الروحانى الهادئ المليء بالتسبيح والفرح، وباعتباره صومًا يهيئ الأقباط لاستقبال السيد المسيح.
القس بطرس فؤاد: الصوم 40 يومًا على مثال موسى.. و3 أيام للمعجزة التى شهدتها أرض مصر
وقال القس بطرس فؤاد، كاهن كنيسة الكوكبان الأنبا بيشوى والأنبا كاراس بمدينة النور وعضو مجلس كنائس مصر، إن مدة الصوم الأصلية هى 40 يومًا، على مثال موسى النبى الذى صعد إلى الجبل وصام أربعين يومًا حتى استلم الشريعة، كلمة الله، مضيفًا: "نحن أيضًا نصوم 40 يومًا لنستقبل كلمة الله المتجسد. هذه هى الفكرة الأساسية لصوم الميلاد، مع وجود تأملات أخرى، لكن هذا هو جوهر الصوم".
وأوضح القس بطرس فؤاد فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن صوم الميلاد يُعد من الدرجة الثانية فى طقس الصوم الكنسى، فهو صوم تسبيح أكثر منه صوم نسك شديد، لذلك يُسمح فيه بتناول الأسماك، لأنه صوم فرح مرتبط بحدث الميلاد وأجواء التسابيح التى امتلأت بها السماء "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".
وأشار إلى أن صوم الميلاد يتسم بروح التهليل التى تتجلى بشكل خاص فى تسابيح شهر كيهك.
وأضاف القس بطرس، أن الثلاثة أيام المضافة للصوم ترتبط بمعجزة نقل جبل المقطم عام 978م، فى عهد المعز لدين الله الفاطمى والبابا أبرام ابن زرعة، حين حاول الوزير يعقوب بن كلس الإيقاع بين الخليفة والبطريرك باستخدام الآية: "لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ".
وقال: "الكنيسة تحتفل كل عام بذكرى هذه المعجزة بصوم وصلاة ثلاثة أيام، كعلامة على قوة الإيمان الذى تحركت به مصر كلها فى هذا الحدث".
من يوم واحد إلى صوم طويل.. كيف تغير تقليد الميلاد عبر قرون الكنيسة؟
وتعود بدايات صوم الميلاد إلى الكنيسة الأولى التى كانت تصوم يومًا واحدًا فقط قبل العيد، عُرف بـ«البرامون». ومع مرور الزمن، رتّب البابا خرستوذولوس (البطريرك 66) مدته لتصبح 43 يومًا:
- 40 يومًا على مثال موسى النبي
- 3 أيام تخليدًا لمعجزة نقل جبل المقطم التى شهدتها أرض مصر
ليصبح هذا الصوم شاهدًا سنويًا على ما وصفه الكثيرون بأنه "إيمان المصريين الذى لا يعرف المستحيل".
صوم المستحيلات.. ميلاد العذراء.. وحَمل أليصابات.. ونقل الجبل
يحمل صوم الميلاد دلالة روحية قوية لدى الأقباط، إذ يقترن بثلاث معجزات يُنظر إليها كتجليات لـ"صوم المستحيلات":
- ميلاد السيد المسيح من العذراء مريم
- حَمل أليصابات فى شيخوختها
- نقل جبل المقطم بصلوات وصوم الشعب
وهى أحداث تُعيد التأكيد على الإيمان الراسخ فى القلوب بأن "ما لا يُمكن البشر، يُمكن الله".
طقس كيهك.. شهر التهليل والسهرات الليلية
ومع بداية شهر كيهك، يدخل الأقباط فى أجواء روحانية خاصة تُعرف بالطقس الكيهكى، حيث تُقام السهرات الليلية حتى الصباح لمدح السيدة العذراء، وتُرتل الإبصاليات والذكصولوجيات والمدائح، بينما تضاف قسمة صوم الميلاد إلى القداسات اليومية.
ويُختتم الصوم بصوم البرامون، استعدادًا لعيد الميلاد الذى يترأس قداسه قداسة البابا تواضروس الثانى فى كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية مساء 6 يناير، وسط مشاركة واسعة من الأقباط والمسؤولين وممثلى الكنائس، فى مشهد يتجدد كل عام ليؤكد وحدة المصريين وبهجة العيد.