الثعبان فى الحضارات القديمة.. رمزية مزدوجة بين الحماية والشر

الأحد، 07 ديسمبر 2025 06:00 ص
الثعبان فى الحضارات القديمة.. رمزية مزدوجة بين الحماية والشر آلهة الثعابين - أرشيفية

محمد عبد الرحمن

اتخذت الثعابين في الحضارات القديمة رمزية مزدوجة تجمع بين الحماية والشر، الشفاء والخصوبة، والتجديد والخلود، حيث كانت الأفعى في مصر القديمة إلهة حامية (وادجيت) وتزين تيجان الفراعنة، بينما في اليونان ارتبطت بالشفاء والحكمة (عصا أسكليبيوس)، وفي المشرق كانت حارسة للمعابد ورمزاً للخلود، مما يظهر ارتباطها العميق بالقوى الإلهية والحياة والموت.

وعند الإنسان القديم، اتخذت الأفعي عدة رمزيات، إما خوفاً منها على عادة الشعوب البدائية التي توجهت بالعبادة والتقديس إلى الكائنات المخيفة اتقاءً لشرها، أو اعتقاداً في أنها تتقمص أرواح الموتى والشياطين، فقدسوا التماسيح والعقارب والثعابين السامة، واللافت للنظر أنهم لم يؤلهوا جميع أنواع الثعابين، وإنما قدسوا الكوبرا أو الصل.

مصر القديمة

لم يكن الثعبان في مصر القديمة مجرد كائن يثير الخوف، بل كان رمزًا مركزيًا في المعتقدات، يتأرجح بين الحماية والخطر، وبين الحكمة والقوة، وعلى مدى آلاف السنين، احتل الثعبان مكانة روحية وسياسية بارزة، حتى أصبح جزءًا من الهوية البصرية للحضارة المصرية.

ارتبط الثعبان ارتباطًا وثيقًا بعقيدة الشمس، لاسيما في صورة " بودجيت" ــ الكوبرا المقدسة التي كانت تزين تيجان الملوك، ولم يكن وجودها على مقدمة التاج مجرد زخرفة، بل إعلانًا بأن الملك يحظى بحماية الإلهة بودجيت، وأن سلطته مستمدة من القوى الإلهية.

كانت الكوبرا تمثل أيضًا القدرة على الردع، فهي تبث النار على أعداء الملك، وتحميه في الدنيا والآخرة، لذلك ظهرت في النقوش والمعابد والسواري وكأنها العين الساهرة على البلاد.

الحضارة الإغريقية

أما الثعبان عند الاغريق فقد لعب العديد من الأدوار، ففى المعتقدات الدينية الاغريقية لعل أشهر هذه الادوار هو أن شعر الميدوزا تنتهى خصلاته بهيئة ثعابين سامة كما صيغت حوله العديد من الاساطير، ولعب أيضا دورا جنائزيا حيث نجده مصور على العديد من شواهد القبور ليدفع الشر عن المقبرة.

وهكذا فإن الثعبان عند المصريين هو أحد الآلهة الحامية للمتوفى، وعند الاغريق أيضا هو الحامى للمقبرة ، لذا فليس هناك شك أن الثعبان قد مثل أصلا لحماية المتوفى داخل التابوت ودرأ الشر عنه، وكان أحيانا يرمز الى الاله حورس "حربوقراط"، وأحيانا يرمز الى الالهة إيزيس، وأحيانا أخرى يصورهما معا لأنهما أكثر الآلهة تمثيلا معا على الآثار الجنائزية فى مصر.

الحضارة الهندية

وتحدثنا الأساطير عن الأفعى التي ترتدي تاجاً من المجوهرات، وهو تاج ثمين لا يمكن إلا لشخص مغامر قوي أن يستولي عليه، وفي الهند وماليزيا وإندونيسيا تنتشر الحكايات التي تقول بامتلاك الأفاعي للحجر السحري الذي ينير لها الطريق، ومن خصائص هذا الحجر أنه يقتل كل مَنْ يحاول لمسه عنوة، وإذا وضع بعد تلاوة تعاويذ معينة عليه فوق شخص نهشته الحية، فإنه يمتص السم من جسم المصاب، ولابد للحصول عليه من الإعداد الجيد للسيطرة على الحية وهزها بعنف لاستخراجه منها.

وكما كانت الأفعى تقوم بحراسة الإنسان وممتلكاته كانت تدافع كذلك عن القيم الإيجابية للجماعة وتطارد الخارجين على ناموس الجماعة والكون بوصفهم ممثلين للدنس، ومن ثم يصبحون في نظر هذه الجماعة مرادفين للأرواح الشريرة التي لابد من اتقاء شرها.

الحضارة البابلية

في الحضارات البابلية (السومرية والأكادية)، كان الثعبان رمزًا مزدوجًا يجمع بين الحماية والشر، حيث ارتبط بالشفاء والخصوبة (إله مثل نينجيشزيدا المرتبط بالعصا) والخلود (بسبب تغيير جلده)، ولكنه أيضًا جسد الفوضى، وخاصة كرمز للشر الذي يصارعه الإله مردوك (الذي يتخذ شكل تنين أفعواني مقَرن) لإظهار انتصار النظام على الفوضى، كما يظهر في نقوش مثل لوح ناب في متحف اللوفر، مما يعكس ازدواجية طبيعته في الميثولوجيا بين الخير والشر.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة


الرجوع الى أعلى الصفحة