خالد عزب

بريطانيا ومراجعات الاستراتيجية الدفاعية

الأحد، 07 سبتمبر 2025 09:08 ص


لا تزال بريطانيا تمثل قوة لا يستهان بها على الصعيد الأوروبي، وعلى الرغم من ذلك فقد قامت بإجراء مراجعة لاستراتيجيتها الدفاعية، وقد صدرت في تقرير اشتمل على 62 توصية، كان من أهمها ما يلي:

إذا أردت السلام فاستعد للحرب

في توقع افتراضي أنه يمكن أن تندلع حرب تنخرط فيها بريطانيا مع حلف الأطلسي، لذا فمن الواجب التأهب للحرب، وستستثمر بريطانيا 1.5 مليار جنيه إسترليني في خط إنتاج للذخائر، مع طرح مشروع قانون "التأهب الدفاعي" يمنح الحكومة صلاحيات إضافية للتعبئة العامة وتجهيز الصناعات الدفاعية.

لا يزال الإنفاق على توسيع نطاق القدرات الدفاعية لبريطانيا أقل من 3% من الناتج المحلي، إلا أنه من الصعب الوصول إلى هذه النسبة، علما بأن ضغوط الرئيس الأمريكي ترامب تتطلب رفعها إلى 5%. فالظروف الاقتصادية لا تسمح بذلك، في الوقت الذي بدأت فيه دول عدة من حلف الناتو رفع معدلات إنفاقها الدفاعي، وهذا ما يؤشر إلى خلل في مخططات الناتو، وأحد أوجه هذا الخلل آت من بريطانيا.

يرى المخططون الاستراتيجيون في بريطانيا أنه في ظل مراجعة الولايات المتحدة لأولوياتها الإقليمية بدبلوماسية واضحة، باتت الحاجة ماسة لتعزيز دور بريطانيا في حلف الناتو وفي الأمن الأوروبي. هنا ستكون بريطانيا نقطة الانطلاق لتطوير القوات المسلحة البريطانية وتنظيمها وتدريبها.

حين تنص المراجعة على أن "الناتو أولا" ليس "ناتو فقط"، فإن الاهتمام المحدود الذي أولته المراجعة للمناطق خارج أوروبا الأطلسية يبرز مدى التركيز الإقليمي لجهود الدفاع والأمن البريطانية. توصي بمنطقتي المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط بوصفهما "المناطق ذات الأولوية التالية بعد المشاركة الدفاعية الأوروبية الأطلسية"، ولكن لا توجد التزامات جديدة جوهرية تجاه أي منهما، كما أن المشاركة فيهما مقيدة بضرورة تجنب "التقليل من جهود الردع، والحرب، وتطوير القدرات في المنطقة الأوروبية الأطلسية". ومن الجدير بالذكر أيضا أن المراجعة تنص على أن الجهود المبذولة لتعميق العلاقات الثنائية والإقليمية يجب أن "تركز على تعزيز البنية الأمنية الأوروبية"، مؤكدة بذلك مركزية أوروبا في سياسة الدفاع والأمن البريطانية. إن ما يسمى "التوجه نحو المحيطين الهندي والهادئ" الذي هيمن على المراجعة المتكاملة لعام 2021، والذي ظهر في نسخة 2023، قد انتهى تقريبا.

الردع النووي هو "الأساس" للأمن الوطني للمملكة المتحدة

ولت أيام تصريح زعيم حزب العمال السابق، جيريمي كوربين، بأنه لن يستخدم الأسلحة النووية لو كان رئيسا للوزراء، إذ يتصدر الردع النووي الآن مراجعة الدفاع الاستراتيجي. تحذر المراجعة من أن "اعتماد روسيا المتزايد على الإكراه النووي سيشكل التحدي الرئيسي للمملكة المتحدة وحلفائها في حلف الناتو في العقود القادمة"، وتعلن بالتالي أن الحفاظ على الردع النووي ينبغي أن يكون "الأولوية القصوى" لوزارة الدفاع.

ردا على ذلك، تعهدت الحكومة باستثمار 15 مليار جنيه إسترليني في برنامج الرؤوس الحربية السيادية خلال الدورة البرلمانية الحالية، وبناء ما يصل إلى 12 غواصة هجومية جديدة. كما تدرس المملكة المتحدة تعزيز مشاركتها في المهمة النووية لحلف شمال الأطلسي، وأن تلتزم "بعدم تمديد عمر غواصات فئة دريدنوت لما بعد تاريخ انتهاء خدمتها المقرر في منتصف خمسينيات القرن الحادي والعشرين".

"عائد الدفاع"

من الفرضيات الرئيسية للمراجعة أن الدفاع لا ينبغي أن يخدم المملكة المتحدة من الناحية الأمنية فحسب، بل ينبغي أن يدفع عجلة النمو وتوفير فرص العمل فيها أيضا. ومن خلال استثمار 6 مليارات جنيه إسترليني في الذخائر خلال الدورة البرلمانية الحالية، وبناء ما لا يقل عن ستة مصانع جديدة للطاقة والذخائر في المملكة المتحدة، تهدف الحكومة إلى توفير أكثر من 1000 فرصة عمل وتعزيز إمكانات التصدير. ويقال أيضا إن التعهد بتصنيع ما يصل إلى 7000 سلاح جديد بعيد المدى في المملكة المتحدة سيدعم حوالي 800 وظيفة، بينما يتوقع أن يدعم استثمار بقيمة 15 مليار جنيه إسترليني في برنامج الرؤوس الحربية السيادية نحو 9000 وظيفة.

في الوقت نفسه، سيساهم مكتب جديد لصادرات الدفاع في وزارة الدفاع في تعزيز صادرات الدفاع البريطانية، كما ستسعى الوزارة إلى بناء شراكة جديدة مع قطاع الصناعة تعزز الخبرات الداخلية والصناعية، وتسرع عمليات الاستحواذ، وتدير المخاطر والتكاليف، وتشرك مجموعة أوسع من الموردين. لذلك، تعد استراتيجية الصناعات الدفاعية القادمة فرصة مهمة لتعزيز النمو وترسيخ إصلاحات جذرية تضمن أداء دفاعيا مرضيا للاقتصاد البريطاني.

لا حاجة إلى قوات إضافية

الجيش البريطاني حاليا في أصغر تعداد له منذ 300 عام، حيث يبلغ عدد جنوده المدربين بدوام كامل 70,860 جنديا فقط، وهو أقل من العدد المستهدف البالغ 73,000 جندي، ويتجاوز عدد المغادرين سنويا عدد المنضمين. وبينما توصي المراجعة بـ"النظر في زيادة طفيفة في عدد الأفراد النظاميين عند توفر التمويل"، إلا أنها لم تلتزم بزيادة عدد الجنود المدربين بدوام كامل في المدى القريب (وهو أمر يشاع على نطاق واسع أن وزير الدفاع جون هيلي كان يسعى إليه).

ومع ذلك، يركز هذا التوجه بشدة على كيفية معالجة أزمة القوى العاملة في القوات المسلحة. ويشمل ذلك التزامات بتمويل قدره 7 مليارات جنيه إسترليني في هذا البرلمان لتحديث أماكن الإقامة العسكرية، بالإضافة إلى إنشاء مسار تعليمي مهني لجميع أفراد القوات المسلحة بحلول عام 2026، ووضع خطة لاستحداث مسارات أكثر ابتكارا للانضمام إلى القوات المسلحة، بما في ذلك تقديم التزامات أقصر للانخراط.

قوة دفاعية تعتمد على التكنولوجيا

استجابة للطبيعة المتغيرة للصراع، ولا سيما الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا، تحدد المراجعة طموحات المملكة المتحدة لتصبح "قوة دفاعية رائدة مدعومة بالتكنولوجيا" بحلول عام 2035. ويشمل ذلك خططا لإنشاء "مجموعة مقاتلي حرب رقمية" جديدة تنشر جنبا إلى جنب مع المقاتلين التقليديين، وإنشاء قيادة سيبرانية وكهرومغناطيسية (CyberEM) تنسق العمل العسكري في هذا المجال دون أن تنفذه، بالإضافة إلى إنشاء "شبكة استهداف رقمية" لتمكين اتخاذ قرارات ميدانية أسرع وأكثر تكاملا. كما توصي المراجعة بإنفاق ما لا يقل عن 10% من ميزانية وزارة الدفاع لشراء المعدات ذات التقنيات الجديدة سنويا، وذلك بهدف تمكين الاستغلال التجاري السريع.

الصين تشكل "تحديا متطورا ومستمر"

بعد أن اقتربت المملكة المتحدة من الصين، وبعيدا عن الجناح المتشدد البارز تجاه الصين الذي عارض باستمرار سياسة الحكومة السابقة تجاهها، لم تشهد هذه المراجعة جدلا حول ما إذا كان ينبغي اعتبار الصين "تهديدا" كما حدث في المراجعات السابقة، بل اختارت الإشارة إلى الصين على أنها "تحد متطور ومستمر".

مع ذلك، يسلط التقرير الضوء على بعض التهديدات التي تشكلها الصين، مركزا بشكل خاص على التكنولوجيا الصينية، وتحديثها العسكري السريع، ونمو أسلحتها النووية. ورغم تحديد هذه التحديات، لا يحدد التقرير أي حلول مباشرة لها، مع أن الحكومة تأمل أن تسهم جهود تحديث قدرات المملكة المتحدة، ولا سيما في مجالي الأمن السيبراني والتكنولوجيا، في التخفيف من بعض هذه التحديات بشكل غير مباشر.

الرأي العام مهم

من أبرز الابتكارات المرحب بها في المراجعة إدراج اقتباسات من أفراد الجمهور الذين شاركوا في "لجنة المواطنين" طوال عملية المراجعة. تعكس هذه اللجان والاقتباسات إدراكا متجددا لأهمية الموافقة المحلية في صنع القرارات الدولية. وينعكس هذا أيضا في عدد من التوصيات، بما في ذلك الحاجة إلى حملة "المسعى الوطني" العامة حول الردع النووي، بالإضافة إلى خطط لمدة عامين لفعاليات التوعية العامة وتحسين التثقيف حول القوات المسلحة في المدارس.

إن القراءة الأولية لهذه المراجعة للسياسات الدفاعية البريطانية توحي بأنها في منعطف تاريخي؛ فهي تعود لأوروبا بوصفها المحيط الحيوي لبريطانيا، فضلا عن تشكيل جنوب وشرق آسيا متطلبا استراتيجيا لارتباط اقتصاد بريطانيا بهما. كما أن الصناعات الدفاعية تشكل بعدا حيويا لإمداد الجيش البريطاني بالسلاح فضلا عن تصديرها، وهو ما يشكل بعدا مهما لاستمرارية الصناعات الدفاعية البريطانية. وما لا يذكره التقرير هو القلق البريطاني من نمو الصناعات العسكرية في الصين مما يؤثر على مستقبل الصناعات البريطانية التي شهدت تراجعا في صادراتها، وستشهد بالتالي تراجعا في قدرات بريطانيا الحربية بالتبعية، كما أن حرب أوكرانيا تشكل هاجسا يجعل بريطانيا تسعى للعودة إلى أوروبا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب