مها عبد القادر

مصر موقف ثابت ورؤية استراتيجية في مواجهة مخططات التهجير

السبت، 06 سبتمبر 2025 12:26 ص


أعربت جمهورية مصر العربية عن بالغ استهجانها للتصريحات المنسوبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، بما في ذلك عبر معبر رفح، معتبرة أن هذه الدعوات لا تعدو كونها محاولة بائسة لتمديد زمن التصعيد في المنطقة، وتكريس حالة عدم الاستقرار، هروبًا من مواجهة الحقائق والعواقب المترتبة على الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في غزة، داخليًا وخارجيًا.
 
وجددت مصر تأكيدها القاطع على إدانة ورفض تهجير الشعب الفلسطيني تحت أي مسمى، سواء كان قسريًا أو طوعيًا، مشيرة إلى أن ما يمارس على الأرض من استهداف مباشر للمدنيين، وتدمير للبنية التحتية، وتعطيل لمناحي الحياة المختلفة، إنما يندرج ضمن سياسة ممنهجة تهدف لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم، وأكدت أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وترقى إلى جرائم التطهير العرقي، مناشدةً المجتمع الدولي بضرورة التحرك الفوري لتفعيل آليات المحاسبة، حتى لا تتحول هذه الجرائم المعلنة إلى أداة دعاية سياسية في إسرائيل نتيجة غياب العدالة الدولية.
 
وستظل مصر، أرض الحضارة والصمود، حجر عثرة أمام أوهام إسرائيل وخططها التوسعية، وحصنًا منيعًا ضد كل من يحاول النيل من حقوق الشعب الفلسطيني أو المساس بأرضه، فالقضية الفلسطينية كانت وستبقى قضية مصر المركزية، تسكن قلب شعبها ووجدان أمتها، وهي ركن أصيل في عقيدتها الوطنية القومية ورسالتها الإنسانية، وتؤكد مصر دائمًا أنها لن تسمح بتمرير مخطط التهجير عبر أراضيها، ولن تكون يومًا شريكًا في ظلم أو بوابةً لتنفيذ مخططات الاحتلال؛ لأن مصر التي كانت وما زالت شريان حياة للفلسطينيين.
 
وقد أعلنت القيادة السياسية المصرية منذ اللحظة الأولى للتصعيد في غزة موقفها الثابت والراسخ، وفعلت دبلوماسيتها النشطة في مختلف المحافل الدولية دفاعًا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ورفضًا لكل محاولات فرض واقع جديد بالقوة، مؤكدة أن التصريحات الإسرائيلية المتكررة حول التهجير ليست سوى إفلاس سياسي يعكس عجز الاحتلال عن مواجهة الحقيقة، ومحاولة للهروب من عواقب الجرائم والانتهاكات الموثقة التي ترتكب يوميًا بحق الأبرياء العزل في غزة.
 
وتدرك مصر بمؤسساتها الراسخة ودبلوماسيتها العريقة، أن التهجير القسري هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني فحسب، وجريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان، لن تقبل بها الضمائر الحية، ولن يسمح بها الوعي الإنساني أو الذاكرة التاريخية، ولذا فإن الموقف المصري يقوم فقط على رفض هذه الممارسات، ومناشدة المجتمع الدولي بتفعيل آليات المحاسبة، ووضع حد للتلاعب بمصير الشعوب وتحويل معاناتها إلى أوراق ضغط سياسية.
 
ولقد عبرت جمهورية مصر العربية، عبر بيان وزارة خارجيتها، عن بالغ استهجانها للتصريحات المنسوبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن التهجير القسري للفلسطينيين، مؤكدة أن هذه الطروحات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وخرقًا فجًا لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، كما أوضحت أن الدعوات العلنية لتهجير الفلسطينيين، سواء عبر معبر رفح أو غيره، إنما تشكل جريمة مكتملة الأركان ترتقي إلى مستوى جرائم التطهير العرقي، التي يجرمها المجتمع الدولي ويضعها في مصاف أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
 
وناشدت القاهرة المجتمع الدولي بضرورة تحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية، والتحرك العاجل لتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة بحق مرتكبي هذه الجرائم المعلنة، والتي تحاول إسرائيل توظيفها في إطار دعاية سياسية رخيصة للهروب من مواجهة استحقاقات العدالة، في ظل غياب الإرادة الدولية، وتواطؤ بعض القوى الكبرى التي تغض الطرف عن الانتهاكات المتكررة في غزة، فما تقوم به إسرائيل على الأرض يكشف بوضوح عن فشلها الذريع في تحقيق أي مكسب سياسي أو عسكري.
 
فإطالة أمد الحرب لم تؤدِ سوى إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، وتدمير البنى التحتية، وارتكاب جرائم ممنهجة بحق الأطفال والنساء، وهو ما يعمق جراح الشعب الفلسطيني، ويزيد منسوب الكراهية والغضب الإنساني العارم في المنطقة والعالم، وإذ ظنت إسرائيل أن سياسة الأرض المحروقة ستجلب لها أمنًا أو استقرارًا، فإنها في الواقع تؤجج دوامات من العنف والانتقام، وتضع المنطقة بأسرها على صفيح ساخن، مهددة الأمن والاستقرار.
 
 فالتاريخ لا ينسى والذاكرة الجمعية للشعوب لا تمحى، والاعتداءات المتكررة لن تفضي إلا إلى تعميق دائرة المقاومة وتغذية نزعات الرفض في الأجيال الجديدة، بما يعيد إنتاج الصراع بصورة أشد وأكثر تعقيدًا، وبذلك تؤكد الوقائع أن الاحتلال لا يجلب سلامًا، وأن الاستقواء بالقوة العسكرية لا يصنع أمنًا، وأن الطريق الوحيد نحو استقرار حقيقي يمر عبر إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإرساء قيم العدالة والكرامة الإنسانية.
 
ورغم ما تواجهه مصر من تحديات وضغوطات داخلية وإقليمية، وما يحيط بها من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية، فإن استراتيجية مؤسساتها الراسخة، وعقيدة شعبها الأبي، ودبلوماسية قيادتها السياسية لم ولن تحيد يومًا عن الثوابت والمبادئ التي تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وأبرز هذه الثوابت أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة، وأن لا أمن ولا استقرار ولا سلام حقيقي يمكن أن يتحقق دون حل عادل وشامل، يقوم على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا الموقف لم يكن يومًا مجالًا للمساومة أو التراجع، فهو جزء من وجدان مصر وهويتها القومية، وامتداد لرسالتها التاريخية في حماية قضايا العدل والحق.
 
ونؤكد أن ما يسمى بالتهجير القسري أو حتى الطوعي لا مكان له في قاموس الإنسانية، فهو فعل يناقض الطبيعة البشرية، ويهدم أسس العدالة، ويقف في مواجهة الفطرة التي تربط الإنسان بأرضه، فكيف يتصور أن يجبر شعب على مغادرة أرضه؟ فالرهان على إخضاع الفلسطينيين أو إرغامهم على الرحيل هو رهان خاسر، فالفلسطينيون شعب تشبع بالانتماء والولاء، وتربى على عشق تراب أرضه، وصارت كرامته في بقائه وصموده وثباته في وجه المعتدي، ولذلك فإن مصر لن تكون يومًا شريكًا في ظلم، ولن تسمح بأن تستغل أرضها أو بوابتها كغطاءٍ لمؤامرة أو مطمع عابر، فلقد اختارت مصر أن تكون على الدوام حصنًا للأمة، ودرعًا للعدالة، وبوصلة للضمير الإنساني، ولن تسمح بالفوضى التي يخطط لها أصحاب القلوب الضعيفة والضمائر الغائبة، الساعون لتفتيت المنطقة وزرع الفتن فيها.
 
إن الدبلوماسية المصرية ماضية في مسارها الحكيم، ومواقفها الصلبة، انطلاقًا من قيمها النبيلة، وإيمانها الراسخ بعدالة قضيتها، ويقينها الراسخ بأن المستقبل سيكون لصمود الشعوب لا لجبروت المحتلين، ولقد اختارت مصر أن تقف دومًا في صف الحق، وأن تجعل من سياستها صوتًا للعقل والحكمة، وسندًا للمظلومين في وجه قوى البطش والعدوان، وستبقى مصر، بتاريخها العريق ورسالتها الحضارية، الضمير الحي للأمة العربية، والحصن المنيع في الدفاع عن القضايا العادلة، والشاهد العادل على أن الحق لن يضيع ما دام وراءه شعب صامد، وأمة واعية تحفظ التاريخ، وتتمسك بالكرامة، وتؤمن أن إرادة الشعوب أقوى من كل أسلحة المعتدين، فالعدل أساس السلام، والصمود هو طريق الانتصار، والأوطان تبنى بالإرادة والعزيمة، فالموقف المصري عقيدة راسخة ورؤية استراتيجية تؤكد أن استقرار المنطقة يبدأ من فلسطين، وأن مستقبل العدل والسلام لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة، وبذلك تثبت مصر أنها لم ولن تحِد عن ثوابتها لا تهجير، لا تصفية للقضية، ولا سلام بلا عدل.
_
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر 
 



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب