عندما يُذكر الرزق، يتبادر إلى أذهان كثيرين المال وحده، وكأن أبواب الرزق لا تُفتح إلا من خزائن البنوك أو أرصدة الحسابات، هذا الفهم الضيق اختزل مفهوماً واسعاً يشمل جوانب شتى من حياتنا، على رأسها نعمة قد لا نراها بوضوح، لكنها تسكن بيننا: البركة في الأولاد.
الإنجاب في حد ذاته رزق، وهناك من تتوق قلوبهم لطفل يملأ حياتهم دفئاً دون أن يُرزقوا به، وأن يُرزق الإنسان بأبناء أصحاء، قادرين على ممارسة حياتهم دون ألم أو عجز، فهو باب رزق لا يُقدَّر بثمن، أما أن يكونوا صالحين، متزنين، مهذبين، يحملون في قلوبهم الخير للناس، فذلك رزق من طراز خاص لا يُشترى ولا يُصنع.
ثم يأتي التوفيق في التعليم، والنجاح في دروب الحياة، والاستقامة في الفكر والسلوك، ليكملوا لوحة من النعم التي ربما لا نلتفت إليها في زحمة سعينا خلف المال، وإذا كان المال وسيلة لتأمين الحياة، فإن الابن الصالح قد يكون سببًا في صلاح حياة بأكملها.
ومن أسمى صور هذا الرزق المنسي، أن يكون الأبناء مصدر سعادة لوالديهم، لا مصدر تعب أو وجع، أن يبرّوا بهم، ويحنوا عليهم، ويكونوا سندًا في الكِبر كما كانوا لهم عونًا في الصغر، هذا الرزق لا يُقارن بكنوز الدنيا، ولا يُقاس بعدد الأصفار في كشف الحساب.
علينا أن نعيد تعريفنا للرزق، أن نُدرِك أن النِعم لا تُقاس فقط بما نملكه من مال، بل بما نملكه من بشر نحبهم ويحبوننا، وأن نُكثر من الحمد، لا حين تمتلئ الجيوب فقط، بل حين تمتلئ القلوب بالرضا والبيوت بالأبناء الطيبين.
لا تحصروا الرزق في المال، فثمة أرزاق منسية تستحق الحمد كل صباح.