في زوايا الحياة المعتمة، حيث يسكن الفراغ وتذبل الطموحات، يظهر أولئك الذين لا يجيدون سوى النظر في شؤون الآخرين، أشخاص يستيقظون كل صباح دون هدف، دون مهمة، دون حتى إحساس حقيقي بالوقت، يجلسون على المقاهي أو أمام الشاشات أو "على المصاطب"، لا يشغلهم سوى تتبع أنفاس غيرهم، يفتشون في التفاصيل، ويختلقون القصص.
هم محترفو القيل والقال، صانعو الحكايات المزيفة، يحيكون الروايات كما يشتهون، يزوجون أسماء لا ذنب لها إلا أنها تسير في طريقها بثبات، تجد نفسك فجأة بطلًا في قصة لم تسمع بها من قبل، تهمس بها الألسن، وتتناقلها المجالس، دون أن يكون لك فيها طرف أو حتى وقت يسمح بالانخراط في حديث جانبي.
الفراغ لا يصنع الحكايات فقط، بل يصنع الكوارث، هؤلاء لا ينشغلون بتحقيق ذواتهم، بل ينشغلون بهدم ما يبنيه غيرهم، الحقد أعمى، والغيرة سامة، والفراغ القاتل يجعلهم يظنون أن نجاح غيرهم إهانة شخصية يجب الرد عليها باختلاق الشائعات.
لكن، من يعمل لا يثرثر، ومن يحلم لا ينشغل بمن لا يحلم، ومن يبني لا يهدم، فالذين يسهرون على التخطيط لغدٍ أفضل، لا يجدون متسعًا من الوقت لملاحقة أخبار الآخرين، هم مشغولون بأحلامهم لا بأخطاء غيرهم، يملأون يومهم بمحاولات جادة لبلوغ أهدافهم، لا بتجميع القصص لإشعال النميمة.
إلى هؤلاء نقول: استقيموا، فالحياة قصيرة، وما تضيعونه في تتبع خطوات غيركم كان يمكن أن يُبنى به بيت من الأمل لكم، لا أن يُهدم به بيت قائم لغيركم.
افتحوا نوافذ قلوبكم للنور، اتركوا الظلال خلفكم، وابدؤوا من حيث انتهى الآخرون، اخلقوا لأنفسكم حكاية حقيقية تستحق أن تُروى، لا أن تكونوا ظلًا باهتًا في حكايات لا تخصكم.