قد لا يدرك الكثيرون أن العلاقة بين الأدب المصري والسينما تعود إلى أكثر من قرن، وأن أول رواية مصرية جرى تحويلها إلى فيلم لم تكن سوى رواية "زينب" التي كتبها الأديب الراحل الدكتور محمد حسين هيكل عام 1914 والتي تصنف كأول رواية عربية على الإطلاق، لتصبح أول عمل أدبي عربي يرى النور على الشاشة الفضية. هذه الحقيقة التاريخية، التي قد تغيب عن البعض، تكشف عن مكانة الرواية المصرية في تأسيس ذاكرة السينما العربية، وعن الدور الريادي الذي لعبته في تقديم قصص من قلب المجتمع والريف المصري.
فيلم استثنائي في تاريخ السينما
تحولت رواية "زينب" إلى فيلم سينمائي عام 1930 على يد المخرج محمد كريم، في تجربة تُعد من أهم المحطات في تاريخ السينما الصامتة المصرية،و كتب السيناريو وأنتج الفيلم رمسيس نجيب، بينما قام ببطولته كل من بهيجة حافظ، وسراج منير، وزكي رستم، ودولت أبيض.
وما يثير الدهشة أن البطلة بهيجة حافظ لم تكتف بأداء الدور الرئيس، بل قامت أيضًا بوضع الموسيقى التصويرية للفيلم، لتكون أول فنانة مصرية تجمع بين التمثيل والموسيقى في تجربة واحدة.
أول رواية مصرية وعربية
الطريف، أن "زينب" بجانب كونها أول رواية تتحول إلى السينما، كانت هى أيضا أول رواية عربية بحسب الكثير من النقاد، حيث نشرت رواية "زينب" لأول مرة عام 1914 باسم مستعار "مصري فلاح"، بعد تردد طويل من مؤلفها الدكتور محمد حسين هيكل الذي كتبها بين باريس ولندن وجنيف أثناء دراسته. ورغم فخره بها وإيمانه بأنها تمثل فتحًا جديدًا في الأدب المصري، إلا أن عمله لاحقًا بالمحاماة جعله يخشى أن يؤثر لقب "الكاتب القصصي" على مكانته المهنية. غير أن حبه للرواية تغلّب على تردده، فدفعه في النهاية إلى نشرها عبر مطبعة "الجريدة"، مكتفيًا بكشف اسم المؤلف والإهداء بعد اكتمال الطباعة.
ريف مصر على الشاشة لأول مرة
الفيلم مثّل نقلة نوعية للسينما المصرية، إذ كان أول عمل رومانسي مأخوذ عن واقع مصري خالص، يعكس تفاصيل الريف وأجواءه التي لم تقترب منها السينما منذ بداياتها. الرواية التي استلهم منها العمل أعادت تقديم صورة المجتمع الريفي بعاداته وتقاليده التي تفرض سطوتها على مصائر الأفراد.
القصة.. صراع بين الحب والتقاليد
تدور أحداث الفيلم حول الفتاة القروية زينب (بهيجة حافظ)، التي تعمل أجيرة في أحد الحقول وتقع في حب إبراهيم (سراج منير)، المشرف على شؤون الزراعة. غير أن التقاليد تقف عائقًا أمام قصة الحب، إذ يرفض أهلها ارتباطها بإبراهيم ويجبرونها على الزواج من الثري حسن (زكي رستم).
وفي خضم ذلك، يُستدعى إبراهيم لأداء الخدمة العسكرية، تاركًا زينب تواجه قسوة القدر بين حرمانها من الحبيب وتسلط الزوج. تتدهور حالتها الصحية حتى يهزمها المرض، وتفارق الحياة مأساوية النهاية، في قصة جسدت بصدق صراع القلب مع التقاليد.
تجربة أعيد إحياؤها
أهمية "زينب" لم تتوقف عند حدود الفيلم الأول، فقد أعيد تقديم الرواية مرة أخرى عام 1952، لكن هذه المرة في نسخة ناطقة. شارك في كتابة السيناريو الناطق عبد الوارث عسر، بينما تألقت في البطولة راقية إبراهيم إلى جانب يحيى شاهين وفريد شوقي، ما أعاد تسليط الضوء على الرواية وأكد مكانتها كواحدة من أبرز الأعمال الأدبية التي أسست للقاء الكبير بين الأدب والسينما.