تحل اليوم ذكرى واحدة من أعظم المعارك البحرية في التاريخ الإسلامي، وهي معركة بروزة التي دارت أحداثها في 28 سبتمبر 1538 بالقرب من ميناء بريفيزا غربي اليونان. شهدت المعركة مواجهة كبرى بين الأسطول العثماني بقيادة القبطان خير الدين بربروسا، وأسطول تحالف أوروبي ضخم عُرف آنذاك باسم الرابطة المقدسة الصليبية التي دعا إلى تشكيلها البابا بولس الثالث لوقف التمدد العثماني في البحر المتوسط.
الرابطة المقدسة… تحالفات متعددة ضد "الخطر العثماني"
مصطلح "الرابطة المقدسة" لم يكن اسمًا لتحالف واحد بعينه، بل تكرر ظهوره في سياقات مختلفة منذ العصور الصليبية. فكما اجتمعت القوى الأوروبية في الحروب الصليبية الأولى ضد المسلمين في المشرق، عادت الفكرة لتظهر في القرن السادس عشر كتحالفات بحرية أو برية ضد الدولة العثمانية.
أبرز هذه التحالفات كان تحالف 1538 الذي جمع بين البابوية، وإسبانيا، وجنوة، والبندقية، وفرسان مالطة، حيث رأت أوروبا الكاثوليكية أن السيطرة العثمانية على البحر المتوسط تهدد طرق التجارة ونفوذ الكنيسة.
وفي أزمنة لاحقة، تشكلت روابط مماثلة، من بينها الرابطة المقدسة التي قادها البابا إنوسنت الحادي عشر عام 1684 بعد فك حصار فيينا، وضمّت النمسا وبولندا والبندقية وروسيا، في إطار صراع طويل ضد العثمانيين.
عصبة كامبري… سابقة أوروبية على فكرة "الرابطة"
وقبل معركة بروزة بثلاثة عقود تقريبًا، شهدت أوروبا تشكيل تحالف مشابه ضد جمهورية البندقية، عُرف باسم عصبة كامبري عام 1508. دعا البابا يوليوس الثاني إلى هذا التحالف بعد خلاف مع البندقية، فانضمت إليه فرنسا، والإمبراطورية الرومانية المقدسة، وإسبانيا.
كان الهدف تقسيم ممتلكات البندقية، وهو ما حدث بالفعل بعد هزيمتها في معركة أنياديللو عام 1509. غير أن التحالف لم يصمد طويلًا بسبب تضارب مصالح القوى الكبرى، فتحول لاحقًا إلى "رابطة مقدسة" جديدة طردت الفرنسيين من إيطاليا عام 1512. هذه السابقة أوضحت أن فكرة "الرابطة المقدسة" لم تكن سوى أداة سياسية للبابوية لجمع أوروبا الكاثوليكية خلفها ضد الخصوم، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين منافسين.
معركة بروزة… هيمنة عثمانية على المتوسط
عندما التقى الأسطول العثماني المؤلف من نحو 122 سفينة حربية بقيادة خير الدين بربروسا بأسطول الرابطة المقدسة الذي تجاوزت سفنه 300، ظن الأوروبيون أن التفوق العددي كافٍ لضمان النصر. غير أن براعة بربروسا وخبرته الميدانية قلبت الموازين. فقد أحسن استغلال جغرافية البحر وأدار المناورة بحنكة، حتى ألحق هزيمة ساحقة بالتحالف، وأجبره على الانسحاب.
أدت هذه المعركة إلى ترسيخ السيطرة العثمانية على شرق وجنوب المتوسط لعقود طويلة، ومنحت الباب العالي هيمنة بحرية لم تتراجع إلا في معركة ليبانتو عام 1571.