السينما المصرية تاريخ طويل، انطلقت مع انطلاقة السينما فى العالم، فبعد عام واحد من إطلاق الإخوان لوميير فن السينما فى باريس استقبلت الإسكندرية ثم القاهرة فى سنة 1896 العروض الأولى، لتبدأ مصر رحلتها المبكرة فى عالم الفن السابع، لكن هذه السيرة المهمة لم تسر كما كنا نتوقع لها، بل تراجعت وصارت لدينا أزمة فى هذه الصناعة، ولم تعد المؤسسات المعنية تقوم بدورها كما ينبغى.
وسعيا للخروج بروشتة علاج وتوصيات عقدنا هذه الندوة فى ملتقى "اليوم السابع" للثقافة والفنون وحرصنا أن يجتمع فيها المتخصصون والصناع كى لا تكون الرؤية من زاوية واحدة، وقد استعد الضيوف واحتشدوا بأرقام دقيقة وتجارب حيّة، وطرحوا بلا مواربة المشكلات البيروقراطية والاقتصادية، ثم تقدموا بحزمة حلول عملية، وصاغوا "وصايا" واضحة تترجم إلى سياسات.
علا الشافعى: الكثير من الأفلام المصرية الأصيلة إما بيعت أو تعرضت للتلف والتحلل ما يمثل إهدارا لتاريخنا وفكرنا
فى البداية حرصت الكاتبة والناقدة علا الشافعى، رئيس مجلس إدارة "اليوم السابع"، على الترحيب بضيوف الندوة، المنتج الكبير حسين القلا، أحد أعمدة الإنتاج السينمائى فى مصر والعالم العربى والمخرج سعد هنداوى، والنقاد طارق الشناوى، وعصام زكريا وزين خيرى شلبى، وفتحت علا الشافعى نقاشا حول ملف صناعة السينما وماذا يريد صناع السينما من الحكومة للنهوض بالصناعة، معتبرة أنه ملف بالغ الأهمية.
.jpg)
قالت علا الشافعى إنه على امتداد تاريخ السينما المصرية العريق، الذى يقترب من مائة وخمسة وعشرين عامًا، شهدت هذه الصناعة فترات بلغ فيها الإنتاج ذروته، حيث وصل عدد الأفلام إلى ما يزيد على المائة فيلم سنويا، كما مررنا بفترات تراجع فيها الإنتاج تراجعًا ملحوظاً، واليوم، والحمد لله، ثمة بعض التجارب الواعدة، لكنها فى رأيى لا تزال لا ترقى إلى مستوى تاريخ السينما المصرية ولا إلى مكانتها، ونحن دائماً ما نؤكد على أهمية الفن والسينما، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه: ماذا تفعل الحكومة للسينما؟ وماذا تقدم وزارة الثقافة للسينما؟.
وتابعت علا الشافعى، هذا هو السؤال الجوهرى، ولذا، فإنه من المهم أن نقف فى هذه اللحظة، رغم كل ما سبق من مؤتمرات ونقاشات حول أزمات السينما وتحدياتها، لنتحدث بجدية عن واقع السينما المصرية اليوم: أين يقف مشهدها الحالى؟ وماذا عن الحكومة التى لا تكف عن الحديث عن أهمية الفن، خاصة فى ظل الظروف السياسية المضطربة والتحولات الاجتماعية المتسارعة، وما يصاحب ذلك من تطور تكنولوجى هائل؟ يجب أن نسلط الضوء على التحديات الحقيقية التى تواجهها السينما".
وأكملت علا الشافعى، "إننا، إن جاز التعبير، ما زلنا أمام المشكلات والأزمات نفسها التى واجهها السابقون حتى أن حلم أرشفة الأفلام الذى بدأ الحديث عنه منذ أيام وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، لم يتحقق فيه أى تقدم ملموس والنتيجة؟ الكثير من الأفلام المصرية الأصيلة إما بيعت أو تعرضت للتلف والتحلل، وهو ما يمثل إهداراً لتاريخنا وفكرنا".
عصام زكريا: الحل يكمن فى تدشين كيان بقرار جمهورى مباشر لتمثيل كل الجهات المعنية بالسينما
.jpg)
وأوضح عصام زكريا، هذا الكيان يتم تدشينه بقرار جمهورى مباشر، وذلك لضمانة أن يتمتع أولاً بسلطة وضع التشريعات، ثانياً: يمثل فيه كل الوزارات والأجهزة المعنية بالسينما، وأن يكون هناك ممثلون من غرفة صناعة السينما، النقابة، معهد السينما، مع المنتجين، والموزعين، وأصحاب دور العرض».
وأكمل عصام زكريا، أول شىء يجب تفعيله هو تعديل التشريعات والقوانين الخاصة برعاية السينما فى أواخر التسعينيات، كان هناك بعض القوانين الخاصة بتشجيع الصناعة فى مصر ولم يستطع أحد تعطيلها وشهدنا الازدهار الهائل الذى حدث فى بناء دور العرض وقتها.
طارق الشناوى: السينما تحتاج مزيدا من الحريات وعلينا ألا نخضع لرجعية وسائل التواصل الاجتماعى
.jpg)
وأضاف طارق الشناوى، أرى الآن أن هناك خضوعا لتطرف السوشيال ميديا ويجب التصدى له، لأنه قابل للزيادة والدائرة تتسع طالما لا يتم التصدى له وأحيانًا تكون هناك أمور يجب أن يكون للدولة رأى قاطع فيها، لأن الصناعة والدولة لو استسلموا للضغط ما كنا سنرى أعمالا مثل "خلى بالك من زوزو".
وتحدث طارق الشناوى عن أهمية الدعم المادى للسينما فلولا دعم إسعاد يونس للمخرج داوود عبد السيد لما خرج فيلم "رسائل بحر" إلى النور.
المنتج حسين القلا يطالب بتدشين اتحادات للسينما.. ويؤكد: عدد الشاشات لم يزد منذ 70 سنة
ومن جانبه قال المنتج الكبير حسين القلا، جزء كبير من أزمة صناعة السينما يرجع إلى صناعها أنفسهم، وأنه فى بداية عمله بمجال الإنتاج السينمائى كان أى شخص يذهب إلى غرفة صناعة السينما ليحصل على بطاقة منتج، يصبح منتجاً فوراً، ففى ظل غياب تعريف واضح للمنتج، أصبح الخلط بين الممول والمنتج أمراً شائعاً، فالممول يختلف بالطبع عن المنتج، فى أمريكا، وفى كل دول العالم التى لديها صناعة سينمائية، هناك من يمول الأفلام، مثل الفيلم الذى قام به توم هانكس Cast Away كان تمويلاً من شركة شحن البضائع، بحثت عن منتج ليقوم بتنفيذ الفيلم لهم، إذن فهناك خلط بين رأس المال والإنتاج والمهنة نفسها.
وأضاف حسين القلا أنه لديه دراسة مبنية على تدشين اتحاد للمنتجين يقوم بالترشيح والتصفية، ليقرر من هو المنتج الحقيقى ومن هو صانع السينما الحقيقى، وأضاف حسين القلا، "هذا الكلام لم أخترعه، بل هو أمر موجود فى كل الدول واكتشفته بنفسى وهو أمر يسهل عملية صناعة السينما، وهنا تلعب الحكومة دورا، ولكن يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن نظام الاتحادات فى مصر يحتاج إلى موافقة البرلمان وإذا اقتنع أحد بهذا الكلام، فنحن نحتاج إلى فترة زمنية مؤقتة، تشكل فيها لجنة لتمثل اتحاد المنتجين.
.jpg)
وأكمل حسين القلا: "فى الثمانينيات، عندما كان فيلم لعادل إمام يعرض فى السوق، كنا نجد 25 نسخة وعدد دور السينما التى كانت موجودة فى سنة 1952 حوالى 500 شاشة، ولكم أن تتخيلوا أن مصر الآن فى ظل 110 ملايين نسمة هو نفس عدد الشاشات تقريبا، مع أننا بحاجة على الأقل بحاجة إلى 2000 شاشة عرض".
وطرح حسين القلا سؤالا، "لماذا لا نحقق إيرادات تصل إلى مليار جنيه؟ والإجابة أن دور العرض لا تغطى إيراداتها، وضرب مثلا بالهند التى تنتج عدداً كبيراً من الأفلام، وتحقق إيراداتها من دور السينما، لأن لديهم دور سينما، وليس لأن أفلامهم أفضل من أفلامنا.
وأكمل حسين القلا، "لذلك أعتقد أننا إلى جانب الاتحادات أو اتحاد المنتجين، نحتاج إلى قانون يفصل عملية الاحتكار بين الموزع والمنتج والمخرج، لأنه إذا لم يكن هناك صاحب حقيقى لهذه الصناعة، فلن تجد من يجيبك".
زين خيرى شلبى: مطلوب من الحكومة بناء دور سينما جديدة وإحياء دور الشركة القابضة
أما الناقد زين خيرى شلبى، فقال اتفق مع ضرورة وجود هيئة على غرار لجنة مصر للأفلام ومطلوب من الحكومة دور مهم وهو بناء دور السينما وإحياء دور الشركة القابضة، باعتبار أن هناك شركة قابضة موجودة بالفعل، تمتلك دور عرض سينمائى، وتمتلك أصولاً، وتمتلك مدينة السينما لكن لا تقوم بدورها نحن نحتاج تحديث الاستوديوهات، ونحتاج أن تتجدد المعدات، ونحتاج دور عرض جديدة تبنى.
.jpg)
وأضاف زين خيرى، مسألة الدعم والقروض الميسرة للصناع السينما لابد أن تفعل صناع السينما يحتاجون دعمًا بشكل كبير وبدون جهة تشبه هيئة الأفلام سنخسر كثيرا، لأنها ستتولى إصدار التراخيص، وتسهيل التصوير، ويكون شباكا موحدا.
وأكمل زين خيرى، تحديث البنية التحتية للاستوديوهات ودور العرض السينمائية وبناء دور عرض جديد هى ضرورة ملحة، وتطوير الأصول السينمائية المملوكة للدولة مثل "مدينة السينما" و"استوديو نحاس" و"استوديو الأهرام"، وتزويدها بأحدث تقنيات ما بعد الإنتاج، وتصحيح الألوان، والمكساج، والأرشفة الرقمية، إلى جانب تطوير وتحسين دور العرض مثل سينمات ميامى وديانا ونورماندى، مع إعادة تشغيل دور عرض متوقفة منذ سنوات طويلة هو أمر ضرورى جدا".
المخرج سعد هنداوى: افصلوا المنتج عن الموزع وصاحب القاعة.. وقتها تعود الثقة
بينما تحدث المخرج سعد هنداوى قائلا، دخول القنوات فى عملية الإنتاج السينمائى كان له أثر سلبى بشكل كبير، حيث حدثت زيادة فى الميزانيات، لأن المنتج الذى كان يعتاد أن يدفع من جيبه لم يعد يدفع من جيبه، وأصبح يعتمد على القناة لأنها ستشترى النسخ زيادة فى الميزانيات على جميع المستويات، بدءًا من الأجور، إلى المعدات، حتى مواقع التصوير.
وأضاف سعد هنداوى، تداخل الاختصاصات والاحتكار من أسباب أزمة صناعة السينما، فشركات الإنتاج الكبيرة التى تعمل، تملك دور العرض، إضافة إلى أنه لا توجد شفافية ولا شىء حقيقى فيما يخص الإيرادات، إذا فى حالة وجود اتحاد يجب أن يكون هناك فصل بمعنى أن يكون المنتج منتجًا فقط والموزع موزعًا فقط وصاحب دور العرض صاحب لدور العرض فقط حتى لا يحدث احتكار أو تضارب مصالح.
.jpg)
وأكمل سعد هنداوى، أنا عملت مع جنسيات كثيرة، فنيين، مصورين، لا يوجد مثل العاملين فى الصناعة فى مصر لدرجة أنه منذ بضع سنوات ربما 2012، كانت شركة Dolby فتحت استوديوهات فى دبى وكان من يريد التعاون معها يسافر للحصول على رخصة ولكن بعد أن حضروا لمصر قرروا أن يكون الترخيص من مصر وقالوا جملة عظيمة إن فى مصر صناعة، كل مقومات الصناعة، ناس تقدم أفلام سينما، ويذهب لها جمهور مصرى وهذه هى الدائرة الحقيقية المنطقية لصنع الأفلام.
وأوضح سعد هنداوى:"لابد ألا نغفل أن هناك منصات والمخرجون مثل نولان اشترط أن يعرض فيلمه فى السينمات وذلك دعما للسينما ومن الضرورى أن نتحدث عن إنشاء أعداد من دور العرض فى كل المحافظات.
واتفق المشاركون فى الندوة على أنه لا بد من توفير دعم مالى للشركات المنتجة، خاصة لصغار السينمائيين والشباب، من خلال منح حوافز، وقروض ميسرة، لتشجيع الإنتاج السينمائى وتنشيط الحركة الفنية، مع مراجعة التشريعات والقوانين لضمان حرية الإبداع وحقوق الملكية الفكرية، وأن تكون الهيئة الموحدة نقطة تواصل واحدة لتسهيل إصدار التصاريح المتعلقة بتصوير الأفلام والإنتاج السينمائي، مما يقلل البيروقراطية ويختصر الوقت والتكاليف على المنتجين وصناع الأفلام المحليين.
ومن خلال التفويض الكامل لهذه الجهة من جميع الوزارات والهيئات ذات العلاقة، تُطبق سياسة تضمن توافق جميع الموافقات اللازمة من الجهات المختلفة فى إجراء واحد موحد، بالإضافة إلى منح هذه اللجنة صلاحية تحصيل الرسوم، ووضع لوائح موحدة واضحة وشفافة، هذه الخطوة تدعم بيئة الإنتاج المحلى وتجذب المزيد من الاستثمارات لصناعة السينما المصرية وتعزز من قدرتها التنافسية على الصعيدين الإقليمى والدولى.

ندوة إنعاش السينما على صفحات اليوم السابع