احتد التراشق بين العاهل السعودى الملك فيصل، والرئيس الليبى معمر القذافى، أثناء مؤتمر القمة العربية الطارئ بالقاهرة، والذى دعا إليه الرئيس جمال عبدالناصر لوقف معارك «أيلول الأسود» بين الجيش الأردنى وقوات المقاومة الفلسطينية بالأردن والدائرة من 17 سبتمبر 1970، وقرر المؤتمر سفر وفد برئاسة الرئيس السودانى جعفر نميرى إلى عمان، وفقا لمحمود رياض وزير خارجية مصر فى مذكراته «البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط»، يوم 23 سبتمبر «مثل هذا اليوم 1970»، وفى عمان وجه «نميرى» كلمة إلى الأردنيين والفلسطينيين للعمل على وقف إطلاق النار.
اجتمع وفد القمة مع العاهل الأردنى الملك حسين، لكن تعذر اللقاء بياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واجتمع بعدد من قادة منظمة التحرير، صلاح خلف «أبو إياد»، فاروق قدومى «أبو اللطف»، إبراهيم بكر، بهجت أبوغريبة، والعقيد سمير الخطيب، وحضروا من السجن حيث كانوا أسرى لدى الجيش الأردنى، حسبما يذكر «أبو إياد» فى مذكراته «فلسطينى بلا هوية»، مؤكدا: «دارت المحادثات حول وسائل الاتصال بعرفات لفرض وقف إطلاق النار بأسرع ما يمكن، وكان الجو متوترا».
قرر وفد القمة العربية العودة فى المساء إلى القاهرة، واصطحب معه أبو إياد وزملاءه، وفى نفس اليوم تلقى جمال عبدالناصر برقية من ياسر عرفات ينفى فيها التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار، وحسب المجلد السادس من «الوثائق الفلسطينية لعام 1970» الصادرة عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية»، قال عرفات فى رسالته: «للمرة الرابعة يعلنون وقف إطلاق النار ثم لا يلتزمون به، المؤامرة خطيرة، يرجى التدخل ويجب أن تتم المقابلة بيننا وبين وفد القمة، وذلك لمعرفة الحقائق ومدى خطورتها»، وألقى عدم توصل «الوفد» لنتائج بظلاله على مناقشات القمة العربية، وكان أعنفها بين الملك فيصل والعقيد معمر القذافى وتدخل عبدالناصر للتهدئة، ويذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل تفاصيل هذه المناقشة فى كتابه «الطريق إلى رمضان»، موضحا أن هدفه «توضيح الجو الذى ساد المؤتمر».
بدأت العواصف بتوجيه الملك فيصل كلامه لعبدالناصر: «إننى متفق مع فخامتكم أن ذلك يبدو كأنه خطة لتصفية المقاومة»، فتدخل القذافى: «إننى غير متفق معكم فى الجهود التى تبذلونها، وأعتقد أنه لا بد من إرسال قوات مسلحة إلى عمان، قوات من العراق وسوريا»، رد فيصل: «تريد أن ترسل قواتنا المسلحة للقتال فى الأردن، هذا ليس عمليا»، علق الرئيس عبدالناصر، قائلا: «أظن أن علينا أن نتحلى بالصبر»، فنظر الملك فيصل إلى القذافى، قائلا: «أظن إن كان علينا أن نرسل جيوشنا إلى أى مكان، فلا بد أن نرسلها لتقاتل اليهود»، رد القذافى: «إن ما يفعله حسين أبشع مما يفعله اليهود، والمسألة كلها اختلاف فى الأسماء».
علق عبدالناصر: «الصعوبة هى أننا إذا أرسلنا جنودا إلى الأردن، فإن ذلك لن يؤدى إلا إلى تصفية بقية الفلسطينيين، وأريد منكم أن تسمعوا إلى رسالة تلقيتها هذا الصباح من الاتحاد السوفيتى، إنهم يطلبون منا التمسك بأقصى قدر من ضبط النفس، لأن الموقف الدولى أصبح دقيقا للغاية، وأى خطأ فى التفكير يمكن أن يؤدى إلى أن يفقد العرب كل السمعة التى اكتسبوها خلال السنوات الثلاث الماضية»، قال القذافى: «ما زلت معترضا، فإننا إذا كنا نواجه «مجنونا» كحسين يريد أن يقتل شعبه فلا بد من أن نرسل من يقبض عليه ويضع الأغلال فى يديه، ويمنع من أن يفعل ما يفعل، ويحيله إلى مستشفى مجانين».
رد فيصل: لا أظن من اللائق أن تصف ملكا عربيا بأنه مجنون، يجب أن يوضع فى مستشفى مجانين»، قال القذافى: «لكن أسرته كلها مجانين، والمسألة مسألة سجل»، رد فيصل: «حسنا، ربما كنا كلنا مجانين»، تدخل عبدالناصر، قائلا: «فى بعض الأحيان حينما ترون جلالتكم ما يجرى فى العالم العربى، أن ذلك ربما يصبح صحيحا، وأقترح أن نعين طبيبا يكشف علينا بصورة منتظمة، ليتبين من هم المجانين بيننا».
رد فيصل: «أريد أن يبدأ طبيبك بى، لأننى أشك بالنظر إلى ما آراه فى أننى أستطيع الاحتفاظ بعقلى»، قال عبدالناصر: «على أية حال، دعونا نعود إلى موضوعنا الأصلى، إنى أقترح على الفور بيانا باسم الرئيس نميرى يقول إن الملك حسين قطع للوفد عهدا بإنهاء القتال»، رد القذافى: «الملك حسين لن يتراجع ما لم يحس بخنجر فوق عنقه».
يؤكد محمود رياض، أن عبدالناصر أقنع المجتمعون بضرورة استمرار الحوار مع الملك حسين، وليس مقاطعته، وعودة وفد من القمة إلى عمان، فسافر يوم 24 سبتمبر، جعفر نميرى رئيسا للوفد، وفاروق أبوعيسى وزير خارجية السودان، وحسين الشافعى «مصر»، ورشاد فرعون «السعودية» وسعد عبدالله الصباح «الكويت» والباهى أدغم «تونس»، والفريق محمد أحمد صادق مكلفا فى سرية من عبدالناصر بإحضار ياسر عرفات إلى مصر بأى وسيلة، وتلك قصة أخرى.