الحسين في الكوفة.. الحكاية الأخيرة برحلة سيد الشهداء

في مثل هذا اليوم من عام 680م (61 هـ)، شهد التاريخ واحدة من أهم المحطات في مسيرة الأمة الإسلامية، حين غادر الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – مكة متوجهاً إلى الكوفة، استجابة لرسائل التأييد والدعم التي وصلته من أهلها. كانت تلك الرحلة آخر فصول حياته، قبل أن تُكتب بكربلاء مأساة خالدة.

خلفية سياسية مضطربة

بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – دخلت الأمة في سلسلة من الصراعات الدامية، بدءاً بمعركة الجمل، ثم صفين، وصولاً إلى صلح الحسن بن علي مع معاوية بن أبي سفيان عام 41 هـ، الذي عُرف بـ"عام الجماعة".

ذلك الصلح نصّ على أن تعود الخلافة إلى مبدأ الشورى بعد وفاة معاوية. غير أن معاوية قبيل وفاته خالف الاتفاق، حين رشح ابنه يزيد لوراثة الحكم، مما أثار جدلاً واسعاً بين كبار الصحابة، واعتُبر خطوة نحو تحويل الخلافة إلى مُلكٍ وراثي.

في هذا المناخ المتوتر، برزت الكوفة كمركز للمعارضة. فقد أرسل أهلها رسائل متتابعة إلى الإمام الحسين، يعلنون فيها ولاءهم له، ويطلبون قدومه لقيادة حركتهم ضد حكم يزيد.

تولى مسلم بن عقيل، ابن عم الإمام، مهمة التمهيد في الكوفة، فبايعه الآلاف من أهلها، وكتب إلى الحسين مطمئناً إياه إلى أن الظروف مهيأة لقدومه.

أمام تلك الرسائل، قرر الإمام الحسين مغادرة مكة في السنة الستين للهجرة. اصطحب أسرته من نساء وأطفال وأبناء عمومته، متوجهاً نحو العراق. ورغم توسلات الكثير من محبيه الذين خافوا عليه من غدر الأمويين، ظل الحسين ثابتاً على موقفه، مؤكداً أنه لا يمكن أن يبايع على ظلم أو يستسلم لإملاءات السلطة.

لكن الأحداث انقلبت سريعاً. فبني أمية تنبهوا للخطر، وقاموا بالقضاء على حركة مسلم بن عقيل في الكوفة، وأعدموا الرجل الذي كان يمهد الطريق للإمام. بهذا تراجع الكثير من أنصار الحسين تحت ضغط الخوف والتهديد، وبات الطريق محفوفاً بالمخاطر.

لم تكن رحلة الحسين إلى الكوفة مجرد انتقال جغرافي، بل كانت رحلة مواجهة بين مبدأ وعدل من جهة، وسلطة وقوة من جهة أخرى. ومع أن نهايتها كانت مأساوية في كربلاء، فإنها بقيت رمزاً للثبات على المبدأ ورفض الاستسلام للظلم، لتخلد الإمام الحسين "سيد الشهداء" في ذاكرة الأمة الإسلامية.