هل فعلا كان هارون الرشيد يغزو عاما ويحج عاما؟

شخصية هارون الرشيد من أكثر الشخصيات العباسية التي نسج حولها التاريخ والخيال قصصًا متناقضة؛ فمنهم من صوّره خليفة لهوٍ وملذات، ومنهم من رآه رمزًا للورع والجهاد. لكن ما يلفت الانتباه أن المصادر التاريخية المعتبرة تكاد تتفق على صورة أخرى؛ صورة خليفة جمع بين العبادة والسياسة، فارتبط اسمه بالحج والجهاد حتى صار القول الشائع إنه كان "يحج عامًا ويغزو عامًا". فهل كان هذا مجرد مبالغة تاريخية، أم حقيقة مارسها الرشيد طوال فترة حكمه؟

روايات متعددة في حياة هارون الرشيد

تعددت الروايات حول طقوس هارون الرشيد وعلاقته بالعبادة والجهاد. فبينما ذكر بعض الكتّاب أنه انشغل بمجالسة الندماء والجواري، نجد مؤرخين كبارًا مثل ابن خلدون يرون أن الرشيد قد ظُلم في صورته، وأنه كان بالفعل يحج عامًا ويغزو عامًا، جامعًا بين التقوى والسياسة.

ابن الجوزي وصفه في كتابه سلوة الأحزان بأنه "جبار بني العباس"، لكنه رغم حزمه كان متواضعًا، يحج سنة ويغزو سنة، ولم يُعرف خليفة أجود منه. أما الدكتور محمد فاروق الإمام في كتابه معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا فأكد أن الرشيد كان كثير العبادة طوال خلافته، بل حجّ مرةً ماشيًا على قدميه، وهو أمر لم يفعله غيره من خلفاء بني العباس.

وتتفق روايات أخرى مثل ما أورده الشيخ أحمد القطان والباحث محمد طاهر زين في كتاب هارون الرشيد الخليفة المظلوم على أن حجه ماشياً ارتبط برؤيا رآها في المنام، جاءه فيها الرسول ﷺ يأمره بالحج مشيًا والجهاد في سبيل الله. وقد نقل ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة أن الرشيد بالفعل لبّى ذلك، فحج ماشيًا وأنفق بسخاء على أهل الحرمين.

أما عن عدد مرات الحج، فقد تنوعت الأقوال بين ثمان وتسع مرات، وهو ما يؤكده كتاب اكتشف الفن الإسلامي في حوض المتوسط وكذلك كتاب منهج الأبحاث التاريخية للدكتور سعيد إسماعيل صالح، حيث ذكرا أن الرشيد قاد بنفسه مراسم الحج رغم مشقة الطريق من بغداد إلى مكة، ولم يكتف بذلك، بل كان حريصًا أيضًا على غزو الروم وحماية ثغور الدولة الإسلامية.