حازم حسين

عن إسرائيل الإرهابية المارقة.. ضربة الدوحة وانتقال دائرة التصعيد من المفاوض للوسيط

الخميس، 11 سبتمبر 2025 02:00 م


ما حدث بعد ظهيرة الثلاثاء لا يشبه أى شىء سابق. كل ما فات منذ الطوفان فى كفة، والعدوان على العاصمة القطرية فى كفّة ثانية، أثقل وأكثر إزعاجا بكل تأكيد؛ لا لأن جرائم إسرائيل قبلها كانت مبرّرة أو مشروعة، ولكن لأن الحد الأدنى من التستر بالذرائع والدعايات قد أُزيح تماما، وجرى القفز على القانون دون ذر الرماد فى العيون كما كان يحدث قبلا، وبإشارات صريحة وشديدة الفجاجة على الانفلات، وعدم الرهبة، وموفور الاطمئنان إلى الحصانة الكاملة من المساءلة.
لا سلطة لأية دولة على غيرها، وليس من حقها أن تتجاوز السيادة وتُنفذ إرادتها بالقوة، ومن فوق رأس النظام الدولى القائم على القواعد. لقد بُنيت الصيغة الأممية القائمة بعد الحرب العالمية الثانية؛ لتكون حائلا دون تكرار حال السيولة والتجرّؤ على الجغرافيا والأنظمة الشرعية.

وبموجب العقد الجديد أُنشئت الدولة العبرية، بمعنى أنها لم تكن طرفا فى إرساء الأطر الحاكمة للنظام القائم على القواعد، بل نتاجا له، وبالتبعية أول المُلزمين باحترامه والخضوع له، أو هكذا يُفترَض فى أى تصور سليم.

ورغم سبق التعدى على الجوار؛ فإن الحالة الماثلة تختلف تماما عن السوابق كلها، فى لبنان صُوّرت المسألة على أنها استجابة لنداء حزب الله فى «حرب الإسناد والمشاغلة»، أما إيران فقد استُدرجت بالاشتباكات الجزئية فى الشام أولا، ثم كان الذهاب إلى طهران محمولا على الجولات المتقطعة من مناوشات الصواريخ والمسيرات، وأن الجمهورية الإسلامية وضعت نفسها فى قلب المشهد الإسرائيلى المتأجج شمالا وجنوبا، فضلا على كونها رأس محور الممانعة وظهيره الدائم.
غير أن الالتباس نفسه ليس حاضرا فى حالة قطر، والوقائع كلها على الضد منه أصلا، ونسيج العلاقات قبل السابع من أكتوبر وبعده يُكيّف الرابطة على وجه أقرب للتفاهم من التشاحن، تنخرط فيه الدوحة ضمن محددات وضوابط واضحة، وبما يفرض على تل أبيب سلوكا مغايرا تماما.

وهنا ربما تكون العودة واجبة إلى فاتحة العقد الماضى، لقد شقت حماس طريقها إلى قطر منذ أواخر التسعينيات؛ لكنها لم تتجه إليها بكل كيانها إلا بعد الأزمة السورية فى ربيع 2011، وقتها انحازت الحركة إلى الأجندة الإخوانية الداعمة لاحتجاجات درعا، ووقع شقاق عظيم مع نظام الأسد، كان من تداعياته أن يبحث الحماسيون عن ملجأ بديل.

توسّطت الولايات المتحدة لنقلهم من دمشق إلى الدوحة، ولعل الوساطة كانت بطلب مباشر من إسرائيل، رغبة فى إبعاد الفصائل عن الحزام اللصيق فى الشام، وإبقاء الجناح الخارجى لقادة غزة آمنا من التقلبات، ليبقى القطاع مستقرّا فى حيّز الانقسام والبُعد عن رام الله والسلطة الوطنية.

كان نتنياهو على رأس الحكم ساعتئذٍ، وأغلب الظن أنه اعتبر البيئة القطرية حاضنة معقمة، وتوفر له إدارة آمنة للوافدين بموجب الفاصل الجغرافى الشاسع، والالتزامات السياسية والأمنية مع الحليف الأمريكى، لا سيما أن الإمارة الصغيرة تحتضن أكبر قواعده العسكرية فى الإقليم.

والطرح السابق ليس من باب التنجيم، وأقرب للمعلومات من التحليل، وقد ألمح إليه مسؤولون قطريون خلال الشهور الماضية، مع ترداد دعاوى الاحتلال بشأن انحياز الدوحة لحماس، وأنه لم يعد مقبولا أن تحتضن قادة الحركة ووفدها المفاوض؛ فكان الرد أنها انتُدبت لهذا الدور ولم تختره، واضطلعت به من منطلق الواجب إنما بعد طلب أمريكى.

وإذا أُضيف لهذا أن حكومة اليمين نفسها توسطت لدى الديوان الأميرى لدعم الإدارة القائمة فى غزة، وكانت تمرر حقائب المساهمة المالية شهريا من مطاراتها ومعابرها؛ فإن الزعم اليوم بمخاطر الصيغة التى أعدوها بأنفسهم يبدو افتئاتا على العقل والذاكرة، واقتفاء أثر الحركة على ساحل الخليج العربى جريمة كاملة الأوصاف، وتقع فى موقع نقض التحالف والانقلاب على التفاهمات، بجانب ما تنطوى عليه من مروق وخروج على الدبلوماسية والقانون.

وإذا كان مخابيل تل أبيب قد نجحوا فى تسويق حربهم الإبادية على غزة لدى الحلفاء والداعمين، وإقناعهم بأن الكلفة البشرية الباهظة مجرد أثر جانبى عن الاشتباك مع كتائب القسام، وتتبع قادتها ومسلحيها بمن لديهم من أسرى؛ فإن تعقّب الحلقة السياسية فى الخارج بدا محاولة لإبقاء النار، والتفاوض تحت لهيبها.

كان التندُّر طوال الشهور الماضية على أن الاحتلال يزعم البحث عن صفقة، فيما يقتفى أثر المفاوضين ويبيدهم قبل الوصول إلى الطاولة. وكان شطب إسماعيل هنية من القائمة إبان وجوده فى طهران، إشارة إلى الرغبة فى إطاحة جناح الحمائم لصالح الصقور، على ما رأى البعض.

وبعيدا من تفاوت التصوّرات والمواقف بشأن خريطة الفاعلين داخل التنظيم؛ فإن ضربة الدوحة تجاوزت نطاق الجدل فى هوية القادة وانتماءاتهم، وفى تنوع خطاباتهم بين التشدد والاعتدال، أو الهوى الإخوانى والاستتباع لصالح الممانعة ومحور الشيعية المسلحة.

والفارق الكبير أنها دفعت العملية كلها بعيدا إلى الخلف، وقدمت دليلا عمليا على مساعى نتنياهو لإبقاء الحرب مشتعلة إلى مدى غير معلوم، والتهرب من الضغوط والتزامات التسوية؛ لأنه للمرة الأولى يُصوّب رأسا على الوسيط، ولا يكتفى بالغريم أو المفاوض فحسب.

أُديرت العملية من أرفع مستوى سياسى فى إسرائيل. كان نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس فى غرفة العمليات، فيما تقطع نحو خمس عشرة طائرة مقاتلة مسافة تتخطى 1800 كيلومتر، وتوجه ما لا يقل عن اثنى عشر صاروخا إلى عدد من الأبنية داخل مجمع سكنى فى حى كتارا.

وإذ تبدو الحادثة استعراضًا زائدًا جدا عن الحاجة وفق كل المقاييس؛ فإنها تستبطن كثيرا من التفاصيل غير المذاعة على العموم، وتُفصح ضمنيا عن طبيعة التوازنات الحاكمة للمنطقة، وبجانب التبجح الإسرائيلى؛ تُؤشِّر على مدى التواطؤ، أو خِفّة الرؤية وهشاشة الموقف من جانب الإدارة الأمريكية الحالية.

أصدر السفّاح وتابعُه بيانًا مُشتركا عقب القصف، أحال الإذن بالضربة إلى عمليتى القدس وغزّة فى اليوم السابق، والواقع أن حماس لم تعلن مسؤوليتها عن إطلاق النار فى موقف الحافلات بمستوطنة راموت، ولا علاقة لها بالعملية، كما أن كمين القطاع جاء فى سياق المواجهة الدائرة هُناك، ولا وجه للردّ عليه فى الدوحة.

إنما التبرير يعكس مرحلة من التبجّح لم تعُد تنشغل بالمبررات، ولا تجتهد لتكييفها عند أدنى حدود الإقناع للحلفاء على الأقل، ما استدعى موقفًا ينتحل حال الغضب من جانب ترامب، ويقول إنه لم يُخطَر بالعملية أو يأخذ قرارها، وأبلغه بها الجيش الأمريكى قبل وقوعها مباشرة، فكلّف مبعوثه الرئاسى ستيف ويتكوف بتحذير قطر؛ لتردّ الأخيرة بتكذيبه علنًا، وبأنها أُبلغت وقت الهجوم كما قال متحدث الخارجية، وبعده بعشر دقائق بحسب إفادة الوزير ورئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن آل ثانى فى مؤتمره مساء.

الموقف الأكثر حرجًا عاشه البيت الأبيض؛ وإن كان يُبدى العكس أو لا ينشغل بمواقف الآخرين. من ناحية لا يُمكن افتراض أن يتجاسر نتنياهو على خطوة بهذا الحجم دون ضوء أخضر، والأسوأ ألا يكون وضع حليفه الأهم فى عين الاعتبار من الأساس.

وهو ما صرّح به علنًا عندما قال  إنها كانت عملية إسرائيلية خالصة، بقرار مُستقل، وتتحمَّل مسؤوليتها الكاملة. وهذا لا يعفى واشنطن من المسؤولية أيضًا؛ لأن السماح لا يتحدّد فقط بالإقرار، بل يتّسع إلى الرخاوة وغياب الكوابح، وما يبدو أنه انقلاب لمُعادلة العلاقة بين الطرفين، بحيث يصير الصغير متبوعا والكبير تابعا.

بحسب بيان نتنياهو وكاتس المُشار إليه سلفًا؛ فإن المُقاتلات تحرّكت فى ضوء «فرصة عملياتية». ومعروف أن خليل الحية كان عائدا للتوّ من تركيا، فيما شهدت الأسابيع الأخيرة تحريك بعض مكاتب الفصائل من الدوحة، وانتقال عدد من قادتها إلى مقرّات جديدة على خلفية المخاطر الأمنية المتصاعدة، وبعضها يستحيل المساس بهم فيها؛ لأن ذلك يُهدِّد بتصعيد إقليمى قد لا تحتمله تل أبيب أو واشنطن نفسها.

الاحتلال تحدث كثيرا عن مُلاحقة الحماسيين فى كل مكان، وسبق أن هدّد بالوصول إليهم فى الدوحة وأنقرة؛ لكن الأخيرة سارعت بالردّ علنا وبوضوح على ذلك، والمؤكد أن الرسائل نفسها حملتها الكواليس من جانب القاهرة، اتّصالا بتوافد قادة الحركات ووفود التفاوض عليها، ما يعنى أن ما تحقّق فى طهران لم يكن واردًا أن يتكرر فى بقية العواصم الإقليمية الكُبرى، والفرصة التى أُشير إليها فى البيان كانت تتّصل بالعودة الخاطفة إلى العاصمة القطرية.

حماس ضعيفة للغاية بمفردها، وهى ليست أقوى كثيرًا مع بعض الحُلفاء. إسرائيل مُنفلتة ولا رادع لها؛ لكن المحاذير الأمنية تضطلع بما تُقصّر فيه الولايات المتحدة.

ومن هذا المُنطلَق؛ فإن إدارة اللحظة السائلة على امتداد المنطقة، تتطلّب إعادة نظر فى الروابط والتحالفات، وإرساء ركيزة حاملة لمواقف القوى المضادة لجنون الاحتلال، وقد صارت معروفة تماما للصهاينة قبل غيرهم.

لا بديل عن الالتحاق بقطار مصر، وليس مُجرّد التوقف عن مُنازعته فى المكانة التى تُؤمّنها له الجغرافيا والتاريخ، وتُثبّتها السياسات العملية النشطة والمتصاعدة منذ الطوفان.

كل الرسائل المُتدفقة من تل أبيب بعد العملية كانت تصعيدية بامتياز، وساعية إلى توسعة مجال الجريمة لا تضييقه أو التحلُّل من تبعاته.

رئيس الكنيست أمير أوحانا قال إنها رسالة للشرق الأوسط، ورئيس الدولة إسحاق هيرتزوج شدد على أنها قرار مهم وصحيح، وزاد نتنياهو بأنه لا حصانة لشخص أو مكان، وأن يد إسرائيل الطولى ستصل لأية بقعة تُهدِّد أمنها.

كأنهم يسعون إلى إعادة بناء حيّز الردع وتمديده؛ لكن الفكرة نفسها غير قابلة للاختبار عمليًّا، ولا تُعرَف هشاشتها إلا ساعة سقوطها، ومن غير الوارد أن يُغامر الصهيونية بالضغط على الاستقرار الهشّ إقليميا إلى المدى الأقصى.

لن تُفضى مُغامرة الدوحة إلى جولات شبيهة أو حتى أقل منها أثرا. والباعث أنها لم تُحقّق هدفها المباشر باقتناص الرؤس الكبرى، مع صعوبة اصطيادهم مجددا هناك أو فى مكان آخر.

أمّا الأهم هُنا؛ فألّا يتطوّع الطرف الآخر بإنجاز بقية مراميها من الهجوم، ولا شكّ أنه كان يتوجه إلى إفساد الوساطة وتضييع صفقة إنهاء الحرب، بأكثر ممّا كان مشغولاً باغتيال الحيّة أو مشعل وزاهر جبارين وغيرهم، وقد لمّحت الدوحة من بعيدٍ إلى تعطّل المفاوضات، انطلاقا من صعوبة الحديث مع إسرائيل بعد العدوان كما قال محمد بن عبدالرحمن آل ثانى.

لا يُمكن الردّ على القصف بمثله؛ لفوارق القوّة وانعدام مصلحة الدوحة فى التصعيد. الخرق القانونى يجب أن يُرَد عليه بالوسائل المُناسبة؛ أما المفاوضات فثابت لا ينبغى الحياد عنه، وسيُكسب الوساطة ثِقَلاً معنويًّا عظيمًا، انطلاقًا من أن الوسطاء يُغلّبون المصالح العامة على الشواغل الخاصة، وينحازون للتهدئة على الرغم مما يطالهم من نيران التصعيد.
ربما كانت الغاية الأساسية تصفية الصف القيادى الأول؛ لكن من وراء ذلك تتطلّع إسرائيل إلى إزاحتهم من مقرّاتهم الآمنة، وقد لا تتحسّب فى هذا إلى أنها ربما تدفعهم لأماكن أكثر أمنا أو أبعد كثيرا عن متناولها.

ولعل خيال الصهاينة يُصوّر لهم أنهم يُقدّمون خدمة للإدارة القطرية، تُعينهم على الخلاص من الحماسيين وقادة الفصائل، من دون الظهور فى صورة المُنسحب من الإسناد فى وقت الضعف، أو التعرّض للمزايدة والانتقاد من الحواضن الأصولية.

وتحتاج الدوحة إزاء ذلك إلى انتهاج مسار مضاد، والبرهنة عليه، عبر تكثيف جهودها وتسخين خطابها السياسى؛ حتى لو اضطُرت بالضغط والمصلحة إلى إجلاء المُقيمين لديها من العناصر الفلسطينية بالفعل.

مُصادفةٌ دالّة أن يتوافق الهجوم مع سياق الذكرى السنوية لأحداث 11 سبتمبر، غُزِيَت الولايات المتحدة فى عُقر دارها قبل ربع القرن؛ فسعّرت نار الحروب ووضعت العالم على مرجلٍ مشتعل.

وقتها استعار جورج بوش مفهوم الدول المارقة، وصكّ شعار «محور الشر» مشتملاً على إيران والعراق وكوريا الشمالية، بعدما كان قد فرغ من أفغانستان قبل شهور.

والدول الثلاثة رُمِيَت بالمروق لأسباب شتّى: العنف بالداخل، أو ضد الخارج، أو الطموح النووى خارج القواعد ومعاهدة حظر الانتشار، والثلاثة تتحقق فى إسرائيل اليوم، بين إبادة غزة، وانتهاك سيادة خمس دول محيطة، وامتلاكها أسلحة دمار شامل غير مشروعة وخارج كل رقابة.

نتنياهو أفلت من كل عقال، وصار نسخة صهيونية من هتلر ونازيّته القافزة على الخرائط والقوانين. الرئيس هرتزوج يُهلّل للإرهاب ويتفاخر به، بالتزامن مع زيارته للمملكة المتحدة تحت عنوان مُؤازرة اليهود ضد موجات مُعاداة السامية، وسيد البيت الأبيض يمتعض دون إجراء جاد، ويصمت على نقب جدار الحماية الأمريكية عن حليف استراتيجى مثل قطر؛ تغليبًا لأطماعه الاقتصادية أو عجزًا عن ترويض تابعه الذى صار سيّدًا عليه وعلى إدارته الصاخبة.

صار المروق أصلاً لا استثناء، ولم يعُد المارقون مشغولين بالصورة والتعليل وادّعاء المُبرّرات. العالم يتبدّل عمَّا كان عليه لعقود سابقة، والمنطقة تحتاج للتغيُّر أيضًا من داخلها؛ قبل أن يُفرَض عليها التغيير من الخارج، وهو طَرحٌ يُدَفّعه الاحتلال من قناة إعادة ترسيم الخرائط الجيوسياسية للمنطقة، ولا تُبدِى الامبراطورية الأمريكية موقفًا جادًّا منه حتى الآن
لا يُمكن أن تُوصَف إسرائيل إلا بالإرهاب. كلها ومن دون استثناء، والسياسى فيها قبل المقاتل، والناخب قبل المُنتَخب. استطلاعات الرأى تنحو فى أغلبها جهة اليمين المُتطرّف، والمواقف ذات الطابع الأخلاقى من بعض النُّخب لا تتجاوز نطاق الدعاية وغسل السُّمعة.

وإذا كانت الحكومة تُمارس الإبادة الجماعية فى غزة تحت مظلّة أمريكية؛ فإنها تتمادى فيها بإقرار الشارع أو صمته الرمادى، ولا يصحّ هنا التلطّى وراء ادعاءات الديمقراطية واستحقاقاتها الطبيعية؛ لأنه حالما تتصادَم الصفة التمثيلية مع الضمير فلا هامش للاصطبار، ولا مُسوّغ للإبقاء عليها وعدم سحبها، وكل يومٍ لا يثور فيه الإسرائيليون ثورة عارمة، يُقرّون اختياريًّا بالشراكة الكاملة فى المروق والنازية والإرهاب المستطير فى كل ناحية.

علمت واشنطن بالضربة قبل موعدها أم لم تعلم؛ فإنها شريك مباشر فيها، أوّلا بإرخاء الحبل للوحشية الصهيونية، ثم سحب الغطاء عن الحليف القطرى، وعدم تفعيل دفاعات قاعدة العديد وغيرها من وسائل الحماية المُثبّتة على أرض الإمارة.

والأهم أنها لا تدفع لإنهاء العدوان على غزّة، وتستمثر فيه، وتتصيّد من خلاله المصالح المباشرة أمنًا واقتصادًا، وصولاً إلى أطماع السيد دونالد فى «الريفييرا الشرقية» بعدما يكتمل التطهير، بالإبادة الجماعية أو بالتهجير.

إن أُخطِرَ وصمت فتلك مصيبة؛ ولو أن نتنياهو تجاوزه واستغفله فالمصيبة أعظم، الأيام المقبلة ستفرز الوقائع وتُجلى حقائقها، فيما إذا كان سيرسم حدودا رادعة لمخبول تل أبيب، أم سيظل مسحوبًا خلفه من هاوية إلى أعمق منها.

كان زعيم الليكود يستعرض عضلاته فى الدوحة، ويُعلِمُ القريب والبعيد بحجم المظلّة الأمريكية ورسوخها، ويتعيّن ألا تُقرّه واشنطن على استلاب موقعها والحديث باسمها.

إسرائيل خرجت من صورة الدولة إلى حال العصابة، أو عادت سيرتها الأولى، والعالم يستفيق على مهَلٍ، والمنطقة مُتشظّية ولا تتلاقى على سردية أو رؤية جامعة.

كل الأوضاع مُرشّحة للأسوأ؛ إنما لا يملك الجميع رفاهية التخاذُل والتسليم. للحرب الخشنة منطقها وقواعدها القاسية؛ لكن حروب السياسة أمضى وأهم دوما، والآن على وجه التحديد وبما لا يُقاس بأى وقت سابق.

حصار الرواية وتفكيكها، والتصويب على القلب مباشرة، ووَسم الجُناة بحقيقتهم دون مُوارَبة، ثم الالتجاء إلى حاضنة عاقلة يُحمَى ظهرها من الجميع، ولا تُطعَن فى الخاصرة من نقطة الصفر، كلها لوازم من مقتضيات اللحظة وضغوطها، ليتوفّر جدار صُلب يُحوّط على القضية، ومذياع صاخب يُعرّى ويفضح.

أخطأت حماس وأوقعت الجميع فى خطيئتها، ويتعيّن عليها الرجوع خطوات للوراء، والانفضاض عن أية منصّة تُثير الغبار أو تُرخى الذرائع، وما يُقال فيها ينطبق على رُعاتها جميعًا.

إنها معركة وجود ونَفَس طويل، ودُربة ومهارة واحتياطٍ حَذِر، لن يُغير غطاء واشنطن من حقيقة نتنياهو، أو يمسح جرائمه، ستظل إسرائيل كيانًا إرهابيا مارقًا، واتّضاح تلك الصفة أهم إفرازات الجولة الحالية، والقبض عليها وإذاعتها والدفع لتثبيتها أثمن المكتسبات التى يتوجّب التمسُّك بها، ولا ينبغى التفريط فيها.

المعنوىّ اليوم سيصير ماديًّا فى الغد؛ المهم أن نستبقى الممكن ولا نُضيّعه على أمل المستحيل، نظرة واحدة لحال غزّة تكفى للمُراجعة والاعتراف والاعتذار، وأخرى على انفلات إسرائيل فى الدوحة تفرض إعادة ترتيب الدوائر والتحالفات.
المُمانعة حالها تُغنى عن أى كلام، وواشنطن لن تُراعى صالحنا إلا لو دخل فى نسيج مصالحها، وتلك مسؤولية المُنخرطين معها فى ترتيبات تتجاوز الأولويات.

السياسة والاقتصاد والقوّة، والنظامى والحركى والشعبى، كلها عناصر كانت متصارعة، وصار عليها أن تتوافق؛ لأن الصهاينة لا يُمكن حصارهم من زاوية واحدة، ولا التغلّب عليهم إلا بتجميع الأدوات التى يُفتّتونها، والنظر للمواجهة على أنها معركة جماعية شاملة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب