منذ أن أصدر جرجي زيدان العدد الأول من مجلة “الهلال” في سبتمبر 1892، ارتبط اسمها بمشروع ثقافي عربي واسع، تجاوز حدود المجلة ليصير علامة على التنوير وصناعة الوعي. ومع كل عقد من عمرها، كانت “الهلال” مرآة لروح عصرها، تنقل أسئلته الكبرى وتستجيب لتحدياته الفكرية والسياسية والاجتماعية.
والآن وبعد أكثر من 130 عامًا، لا تزال "الهلال" تصدر بانتظام، محاولة الحفاظ على دورها كجسر بين الماضي والحاضر. صحيح أن المنافسة الرقمية جعلت دورها أصعب، لكن قيمتها الرمزية والفكرية لا تزال قائمة، فهي سجلّ حيّ لتحولات الفكر العربي، ومختبر للأفكار التي شكّلت الوعي الجمعي للأمة.
البدايات مع زيدان
أراد جرجي زيدان أن تكون “الهلال” نافذة على العالم، تجمع بين المعارف الحديثة والوعي بالتراث العربي والإسلامي. فامتلأت صفحاتها بالترجمة، والسرد التاريخي، والتعريف بالعلوم الإنسانية والطبيعية، في وقت كان فيه القارئ العربي متعطشًا لمثل هذه المعرفة المنظمة.
من التنوير إلى القومية
مع مطلع القرن العشرين، اتسع دور المجلة لتصبح منبرًا للنقاش حول قضايا النهضة، التعليم، حقوق المرأة، وفكرة القومية العربية. وفي الثلاثينيات والأربعينيات، تبلورت “الهلال” كمنصة ثقافية كبرى، حيث كتب فيها رموز الفكر مثل طه حسين، العقاد، أحمد أمين، وسلامة موسى، ليصير اسمها مرادفًا للجدل الفكري المنتج.
انعكاس التحولات السياسية
في الخمسينيات والستينيات، ومع صعود القومية العربية والمشروع الناصري، واكبت “الهلال” هذه المرحلة بمقالات ودراسات تتناول قضايا الوحدة، الاستقلال، والتنمية. كانت المجلة في هذه الحقبة صوتًا متماهيًا مع المزاج العام، لكنها في الوقت نفسه احتفظت بمساحة للنقاش الفكري العميق.
تجديد في الخطاب
مع السبعينيات وما بعدها، بدأت المجلة تواجه تحديات جديدة، فتنوعت ملفاتها بين قضايا التراث وتجديد الخطاب الديني، وبين الفكر الاشتراكي والرأسمالي، وقضايا الهوية والانفتاح الثقافي. وفي كل مرة، كانت تحاول أن تعيد صياغة نفسها بما يتناسب مع القارئ الجديد، دون أن تفقد هويتها الأساسية كمجلة فكرية رصينة.
أشهر الملفات
على مدار تاريخها الطويل، قدمت “الهلال” ملفات كبرى لا تُنسى: أعداد خاصة عن المتنبي وأبي العلاء، عن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، عن قضايا المرأة، الإسلام السياسي، صراع الحضارات، والعولمة. كما خصصت أعدادًا استثنائية لتأبين رموز الفكر والأدب، مما جعلها مرجعًا لتاريخ الثقافة العربية الحديث.