محمود عبدالراضى

حين يُصبح الإسفاف مهنة

السبت، 09 أغسطس 2025 12:01 م


من شرفات العالم الرقمي، تسللوا، ليسوا فرسانًا ولا شعراء، بل نجومًا من ورق، يلمعون في سماء التيك توك بأسماء كأنها خرجت من كوابيس لغوية: "موكا"، "اللدغة"، و"أوتاكا"، أسماء تنزلق من الألسن كما ينزلق العقل في متاهة الابتذال.

منصات التواصل الاجتماعي لم تعد فقط وسيلة للتعبير، بل أصبحت ساحة معارك يخوضها من يسعون للشهرة بأي ثمن، حتى لو كان المقابل هو خنق الذوق العام بسُحب الإسفاف، ودهس القيم تحت أقدام الزحف خلف الإعجابات.

غير أن العاصفة هدأت قليلًا، إذ ما زالت أخبار القبض على بعضهم تتصدر المشهد، كأنها قطرات مطر في صيف قائظ، تبعث بعض الطمأنينة في نفوس مواطنين ضاقوا ذرعًا بما يُبث في هواء الهواتف من تلوث سمعي وبصري، فرحة تشبه الانتقام الهادئ من تشوهات طالت عقول الأطفال، وأرهقت أذواق الكبار.

لكن السؤال المُر لا يزال عالقًا في الحلق: أين كانت الأسر حين تسرّب الانفلات من شقوق البيوت؟ أين كان الدور الرقابي حين تُرك الأبناء ليصطادوا أحلامهم في بحرٍ هائج من اللامعقول؟ كيف استبدلوا دفاتر المدرسة بكاميرا هاتف، ودفء الأسرة بشهرة باردة تقف على حافة الانهيار؟

لم تكن فيديوهات فحسب، بل كانت أبوابًا مشرعة نحو الهاوية، ضُبطت معهم مخدرات، أسلحة، وسلوكيات أبعد ما تكون عن المزاح أو خفة الظل، الأمر خرج من حدود المحتوى الرديء إلى جريمة مكتملة الأركان.

علّموا أبناءكم أن الرزق لا يمر من خلال "فلاتر" ولا يأتي على هيئة فيديو رخيص أو مشهد مصطنع، الرزق يسير على قدمي عامل يلهث في حر أغسطس ليحمل رغيف خبزه لا منة فيه ولا أذى.

الرزق لا يقطر من سقف شقة فارهة ولا يهبط مع جهاز تكييف، بل يولد من كدّ اليد وعرق الجبين.

شتّان بين من يصنع المحتوى، ومن يصنع الفوضى، بين من يزرع في الأرض، ومن يبذر في الهواء.


 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب