في ظل التغيرات الاقتصادية والثقافية المتسارعة، أصبح من الضروري إعادة النظر في قانون جائزة الدولة التشجيعية، التي تُعدّ واحدة من أبرز أدوات الدولة لدعم المبدعين والباحثين الشباب في مجالات الأدب والفنون والعلوم. ورغم تاريخ الجائزة العريق، إلا أن الواقع الحالي يفرض عددًا من التحديات التي تُضعف من تأثيرها ومكانتها، سواء على الصعيد المحلي أو في مقارنتها مع الجوائز العربية والدولية.
في السطور التالية، نستعرض بعض المقترحات الجوهرية التي يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في بنية الجائزة وفعاليتها:
أولًا: زيادة القيمة المالية للجائزة
يبلغ مقدار جائزة الدولة التشجيعية 50 ألف جنيه مصري، وهي قيمة لم تتغير منذ سنوات طويلة، وبحساب القيمة الشرائية الحالية فهي لا تتجاوز ألف دولار أمريكي، أي ما يعادل أو يقل عن الحد الأدنى في جوائز بعض الدول العربية.
ومع تضاعف تكاليف الحياة والنشر والبحث والإنتاج الفني، أصبحت هذه القيمة لا تعكس حجم التقدير الحقيقي للعمل الثقافي أو العلمي، ولا تشكّل حافزًا كافيًا للمبدعين الشباب. لذا، فإن زيادة قيمة الجائزة باتت ضرورة ملحّة، ليس فقط لحفظ مكانتها، بل أيضًا لتمكين الفائز من استكمال مشروعه الإبداعي أو البحثي.
ثانيًا: إلغاء المادة الخاصة باستدعاء الأعمال من خارج قوائم الترشيح
ينص القانون الحالي على جواز قيام لجان الجائزة بـ"استدعاء أعمال من خارج الترشيحات"، وهي مادة فتحت الباب، ولو عن غير قصد، لاستخدام الجائزة في شكل من أشكال المجاملة أو الترضية.
وقد شهدت دورات سابقة حالات رفضت فيها اللجان أعمالًا مرشّحة رسمياً بحجة عدم ملاءمتها، في حين تم منح الجائزة لأعمال من خارج الترشيح تفتقر إلى التميّز أيضًا، ما أثار الجدل والتساؤلات حول الشفافية. لذا، يُقترح إلغاء هذه المادة تمامًا، وحصر المفاضلة بين الأعمال التي يتم ترشيحها رسميًا من جهات معترف بها.
ثالثًا: اعتماد آلية "القائمة القصيرة" والتصويت من أعضاء المجلس
من الضروري إعادة هيكلة آلية التحكيم، من خلال إعداد قائمة قصيرة في كل فرع تتضمن أبرز الأعمال المرشّحة، ثم يُترك قرار التصويت النهائي لاختيار الفائز لأعضاء المجلس الأعلى للثقافة في الاجتماع السنوي.
هذه الخطوة ستُسهم في تقليل فرص المجاملات الفردية، وتفتح المجال أمام نقاش جماعي حقيقي يُفضي إلى قرارات أكثر عدالة وشفافية.
رابعًا: زيادة عدد الجوائز لكل فرع
بعكس جوائز الدولة الأخرى مثل جائزة الدولة التقديرية وجائزة التفوق، التي تسمح بمنح أكثر من فائز في الفرع الواحد، فإن جائزة الدولة التشجيعية ما زالت تمنح لفائز واحد فقط في كل فرع.
ويقترح الكثيرون إمكانية منح جائزتين على الأقل في كل فرع، خاصة في الفروع الأدبية والفنية، لما لذلك من أثر في دعم عدد أكبر من الشباب وتمكينهم من مواصلة مشروعاتهم.
خامسًا: رفع سن الترشح إلى 45 عامًا
تحدد شروط الجائزة حاليًا أن لا يزيد عمر المتقدّم عن 40 عامًا، وهو أمر لم يعد متوافقًا مع الواقع الفعلي للإنجازات العلمية أو الأدبية، خاصة مع تأخّر ظهور بعض المواهب أو اكتمال مشروعاتهم بعد الأربعين.
ولأن جائزة الدولة للتفوق لا تُمنح لمن هم دون هذا السن، يُقترح رفع سن الترشّح لجائزة الدولة التشجيعية إلى 45 عامًا، لفتح المجال أمام مزيد من التجارب الناضجة التي تستحق التقدير.
سادسًا: مراجعة طبيعة الفروع والموضوعات المخصصة للجائزة
من بين الملاحظات المتكررة في الدورات السابقة، أن بعض الفروع والمجالات التي تُطرح ضمن جائزة الدولة التشجيعية تبدو بعيدة عن السياق الإبداعي أو الأكاديمي الحقيقي، أو لا تعكس التوجهات الفعلية للحركة الثقافية والعلمية في مصر. كما أن بعض الفروع تأتي مكررة أو غير متوازنة، مما يضعف من قيمة المنافسة ويُقصي تجارب نوعية تستحق التقدير.
ومن أكثر الأمور إثارة للجدل، تخصيص موضوع محدد في فرع الرواية، مثل "الرواية التاريخية"، وهو توجه يبدو أنه يهدف إلى التوجيه الموضوعي أو التأطير، لكنه يتعارض مع الطبيعة الحرة للعمل الروائي. الرواية، كجنس أدبي، تمثل المجال الإبداعي الأوسع والأكثر تنوعًا، ومحاولة حصرها في موضوع معين تُعد تقييدًا غير مبرر، يحول دون مشاركة تجارب لافتة في مجالات أخرى (روايات اجتماعية، نفسية، واقعية، مستقبلية... إلخ)، وبالتالي، فإن الإبقاء على باب الرواية مفتوحًا دون تحديد موضوعي مسبق، سيكون أكثر انسجامًا مع طبيعة الفن الروائي، ويعزز من فرص ظهور الأصوات الجديدة والمغايرة، دون تقييد الإبداع أو قصره على نمط واحد فقط.