حسين السيد يكتب: غضب فتوح نشاطى على الكاتب باكثير

الإثنين، 04 أغسطس 2025 05:30 م
حسين السيد يكتب: غضب فتوح نشاطى على الكاتب باكثير فتوح نشاطي

كانت العلاقة وثيقة ومتينة بين المسرحى الكبير "فتوح نشاطى" والكاتب الكبير أيضا "على أحمد باكثير"، وترجع هذه العلاقة إلى سنة 1948 عندما انتهى باكثير من رائعته "سر الحاكم بأمر الله"، وقدمها للفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، وقرأها فتوح نشاطى، وكان عضوا بلجنة قراءة الفرقة، ونالت إعجابه حتى إنه كتب عنها تقريرا حماسيا للتعجيل بتقديمها.

يذكر فتوح أنه كان المرشح الأول لإخراج المسرحية، لهذا ظل ملازما لباكثير ثلاثة أسابيع لدراسة مواقفها وبنائها الدرامى، ولإدخال بعض التعديلات الضرورية التى تحتاج إليها خاصة أنها المسرحية الأولى لباكثير التى تقدَّم على خشبة المسرح، فتبادلا الرأى فى تقديم وحذف بعض المشاهد، وكان باكثير يتقبل هذه التعديلات بصدر رحب.

لكن بعد كل هذا لم يخرج فتوح المسرحية، فقد ترجاه زكى طليمات أن يقوم هو بإخراجها، وأخذ "يوسف وهبى" دور البطولة، وظهرت المسرحية إلى النور فى الأول من أكتوبر سنة 1948، وحزن فتوح حزنا شديدا أن ظهرت المسرحية على هذا الأداء الذى ظهرت به.

يستمر التعاون بين الاثنين فى مجال المسرح، فأخرج له فتوح مسرحيتى "سر شهر زاد"، و"أبو دلامة"، كما أخرج مسرحية "سر الحاكم بأمرالله" مرة أخرى لكن بعد وفاة باكثير فى الثامن عشر من مارس سنة 1971، وقد بلغ فتوح وقتها عامه السبعين.

على أحمد باكثير
على أحمد باكثير

 

يحكى فتوح فى مذكراته "خمسون عاما فى خدمة المسرح"، الجزء الثانى، عن صفات باكثير، فيقول:"وكان باكثير – رحمه الله- رقيق الحاشية، كريم الخلق، عاشقا متيما – مثلى – بالتمثيل".

يذكر فتوح أيضا أنه قد اشترك مع باكثير فى تأليف مسرحية فرعونية مستوحاة من أسطورة "إيزيس وأوزوريس"، وتمر الأيام، ويتفرغ كل واحد منهما لمجاله، ففتوح للإخراج والترجمة والاقتباس، وباكثير لأعماله الأدبية.
ويغضب فتوح على باكثير قبيل وفاته بعدة أشهر، وذلك عندما زاره باكثير فى بيته؛ حيث أخرج مظروفا به ورقتان، كل ورقة بعشرة جنيهات، وسلم المظروف ليوسف ابن فتوح، وهنا ثارت ثائرة فتوح، وصعد الدم إلى رأسه، ونترك الحديث لفتوح:"أعدت إليه نقوده فى مزيج من الانفعال والدهشة والأنفة، مرددا: عيب يا أستاذ باكثير، من تحسبنى؟ إذا كنت تريد تقديم شىء إلى ولدى فقدم له باكو شوكولاته، كيس ملبس، أما أن تهديه عشرين جنيها، فهذا نوع من الرشوة لم أعتدها فى حياتى، ولا أفهم الداعى إليها".
يشعر باكثير بأنه قد أهان فتوح، فيأخذ بعضه وينصرف، حتى لا يشتعل الموقف أكثر من هذا، ويتعجب فتوح فى قرارة نفسه، كيف يجرؤ باكثير على تقديم مبلغ كبير كهذا لولد صغير؟! لابد أنه ارتأى أنها رشوة منه لإخراج مزيد من المسرحيات له، لكن هذا العجب يزول عندما يذهب فتوح إلى سور الأزبكية وتقع عينه على مسرحية بعنوان "أوزوريس" ومن تأليف على أحمد باكثير، هنا يشترى فتوح المسرحية، ويضاهيها بالمسرحية التى اشترك فى تأليفها مع باكثير، ويتفاجأ أن النص فى المسرحيتين واحد، ولم يتغير حرف واحد، وأن من حقه أن يوضع اسمه على غلاف المسرحية إلى جانب اسم باكثير، هنا يدرك فتوح سر العشرين جنيها، فيقول فى مذكراته: إن "ضمير الرجل كان قد بكَّته، فشاء أن يبرئ ذمته ويرد إلى بعض حقى، فعجبت من هذه الثغرة فى خلق صاحبى، ولكنى غفرتها له فلم تكن هذه أول القرصنات الأدبية التى رحت ضحيتها، ولا آخرها".

فتوح نشاطي
فتوح نشاطي


هذا يعنى أن مسرحية "أوزوريس" ليست خالصة التأليف لباكثير، وهذا ما كشفت عنه مذكرات فتوح نشاطى، فهل هذه تعد قرصنة أدبية، أم مجرد سهو وإغفال من باكثير؟ الرأى الذى أميل إليه أن باكثير هو من قام بالجهد الأكبر فى المسرحية، أو قل هو من ألفها، فباكثير من المؤلفين المسرحيين المشهود لهم بالكفاءة، بل هو أهم مسرحى فى الوطن العربى بعد توفيق الحكيم، فهو فى المرتبة الثانية خلفه مباشرة، ومن المؤكد أنه قد عرض المسرحية على فتوح، فما كان منه إلا أن قام بالحذف والإضافة والتعديل والتغيير كما هو معهود فى تلك الأيام؛ وهذا لأن المخرجين آنذاك هم أيضا مؤلفون ومترجمون وكتاب بارعون، انظر مثلا إلى جورج أبيض وزكى طليمات ويوسف وهبى، وقد ذكر – فتوح- أنه غيَّر نهاية مسرحية "شجرة الدر" للشاعر عزيز أباظة، وأن عزيز عندما قرأ نهاية الفصل الرابع ثار غاضبا حانقا وقال: "إيه ده؟ الكلام ده مش كلامى والشعر ده ماهوش شعرى"، وهو مدون بمذكراته. وكانت للمسرحية خاتمتان، إحداهما لصاحبها عزيز أباظة، والأخرى لفتوح نشاطى، وقبل عرض المسرحية اتفق المؤلف والمخرج على تبادل الخاتمة على يومين، ففى يوم تعرض خاتمة فتوح، وفى اليوم التالى تعرض خاتمة أباظة واتفقا على أن تكون البداية بخاتمة فتوح، ونجحت نجاحا ساحقا، ما جعل عزيز أباظة يلغى خاتمته، ويكتفى بخاتمة فتوح، ويشكره على فعله هذا، ويعطيه نسخة مطبوعة مصحوبة بإهداء يحمل العرفان والتقدير لصنيع فتوح بالمسرحية.

50 عاما في خدمة المسرح
50 عاما في خدمة المسرح


لكن هذا لا يعطينا الحق فى أن نغمط حق المخرج المسرحى الكبير فتوح نشاطى فى اشتراكه مع باكثير فى تأليفها، وقد يكون هذه صحيحا، ولا غرو فى ذلك، فقد ترجم واقتبس وألف ما يقرب من ثمانين عملا مسرحيا، منها: "الرجل الذى رأى الشيطان، ملك الحديد، الكوكايين، الخائن، تحريد العبيد، الشرق والغرب، مرتفعات وذرنج، محامى الشعب، المعتمد بن عباد، ابن عز، بيت من زجاج، ثلاثة أجيال... " وغيرها من عشرات الأعمال. كما قدم سيناريو فيلم "ابن النيل" لفاتن حمامة وشكرى سرحان، وحوار فيلم "عايدة" لأم كلثوم، وغيرهما من الأعمال التى تشهد له بتمكنه من هذه الصناعة. ولابد من معرفة أن الاقتباس هنا يعنى التمصير إلى درجة أن ننسى بيئة المسرحية الأصلية، وهو فن يوازى فن التأليف تماما. ويحرص فتوح على إدراج مسرحية "إيزيس وأوزوريس" على أنها من تأليف. كما كانت لديه القدرة فى الكشف عن زيف بعض الأعمال التى تنسب إلى بعضهم وليست من تأليفهم، فمثلا أراد يوسف وهبى أن يسجل كوميديا "يا تلحقونى" للتلفزيون، على أنها من تأليفه، وما إن علم فتوح حتى أرسل إنذارا من محام للتلفزيون على يد محضر، وقدم للمسئولين ما يؤيد اقتباسه لها عن "مفآجات الطلاق" للمؤلف الفرنسى ألكسندر بيسون، فتم وقف تسجيلها، وكانت قطيعة مزمنة بين فتوح نشاطى ويوسف وهبى، إلى أن تصالحا وتوافقا فى مسرحية "سر الحاكم بأمر الله".

فتوح نشاطى يعد من أكبر المثقفين الذين عرفهم المسرح فى مصر خلال القرن الماضى، هكذا كتب رجاء النقاش فى مجلة "الكواكب"، وكتب أيضا :"أحب المسرح منذ صباه الأول حب المتصوفين العاشقين.. ولم ينصرف إلى شىء آخر غير الفن المسرحى، فلم تشغله الكتابة للصحف، ولم تشغله السينما أو التلفزيون بعد ظهورهما".


 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة