في زمن صار فيه الهاتف بوابة رزق، تحوّلت الكاميرا من عين تنقل الحقيقة إلى فخّ ينصب للعقول، شباب في مقتبل العمر، لم يسعَ بعضهم للعلم ولا للكدح، بل قرروا أن يفتتحوا دكان الربح السريع من بوابة "افتح الكاميرا واكسب"، لا ضوابط، لا خطوط حمراء، المهم أن تتحقق المعادلة السحرية: مشاهدات تساوي أموال.
تجدهم يرقصون، يصرخون، يتصنعون، يختلقون الأزمات والمواقف، وأحيانًا يتجردون من الحياء ويبيعون الأخلاق في مزاد رقمي مفتوح، ليست المشكلة في أنهم يبحثون عن المال، بل في أنهم ضيّعوا الطريق واختاروا أن يُطفئوا نور القيم ليستنيروا ببريق العملة.
هوس جمع الأرباح حول بعضهم إلى عبيد للترند، مهما كان المحتوى رخيصًا، طالما أن العائد مغرٍ، يختزلون الموهبة في التفاهة، والنجاح في الشهرة، والكرامة في عدد المتابعين، يقيسون تأثيرهم بعدد الإعجابات، لا بعدد القيم التي قدّموها، أو العقول التي أثروها.
الخطر لا يقف عند حدودهم، بل يمتد إلى جيل يتربى على أن "الفيديو المبتذل" هو طريق المجد، وأن من لا يملك محتوى مثيرًا لا يستحق أن يُسمع له صوت، هكذا يُعاد تشكيل وعي المجتمع، دون أن نشعر، فتتآكل القيم كما تتآكل البطاريات من فرط الاستخدام السيئ.
المال وسيلة، نعم، لكنه إن لم يُلجم بالأخلاق، تحوّل إلى لعنة، ومن يصنع نفسه من وهم، يسقط مع أول حقيقة.
دعونا نعيد ترتيب الأولويات، ونفتح الكاميرا للعقل لا للابتذال، للعلم لا للتهريج، للمعنى لا للضجيج.