حسين عبد البصير يكتب: إبراهيم عبد المجيد بين المحلية والكونية

الثلاثاء، 26 أغسطس 2025 08:00 م
حسين عبد البصير يكتب: إبراهيم عبد المجيد بين المحلية والكونية غلاف كتاب من قلب الإسكندرية إلى فضاء العالم

حين نتأمل تجربة الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد ندرك أننا أمام كاتب لم يكتفِ برسم شخصيات وحكايات، بل شيد عالمًا سرديًا متكاملًا، قوامه مدينة الإسكندرية، تلك المدينة التي تحولت في رواياته إلى كيان حي يتنفس، ويتحول، ويتلون مع تحولات التاريخ والمجتمع.

وصدر حديثًا الكتاب البديع "من قلب الإسكندرية إلى فضاء العالم"، من إعداد الشاعر سعدني السلاموني، ومن إصدار دار صفصافة بالقاهرة، هذا الكتاب ليس مجرد تكريم تقليدي، بل عمل ثقافي نوعي يجمع بين الذاكرة الفردية والجماعية، وبين الأدب والمدينة، وبين الكاتب وعالمه.

الإسكندرية.. مدينة الحلم والذاكرة

منذ روايته الشهيرة "لا أحد ينام في الإسكندرية" وحتى آخر أعماله، ظل إبراهيم عبد المجيد وفيًّا لمدينته، الإسكندرية عنده ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي بطل درامي رئيسي.

في "لا أحد ينام في الإسكندرية" تتحول المدينة إلى مسرح كوني يتقاطع فيه المحلي مع العالمي أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي "البلدة الأخرى" تخرج الإسكندرية من حدود المكان، لتصبح رمزًا للاغتراب والهجرة وتحديات الهوية.
في "بيت الياسمين" نعيش تحولات المجتمع المصري في سبعينيات القرن الماضي، حيث تصطدم الأحلام بالواقع، أما "في كل أسبوع يوم جمعة" فتضعنا أمام العالم الرقمي الجديد، حيث تتقاطع الحكايات الافتراضية مع مصائر البشر.
الإسكندرية عند الروائى إبراهيم عبد المجيد أشبه بـ شخصية أسطورية، تنبض بالحياة، تُولد وتشيخ، لكنها لا تموت.

مقارنة عالمية.. من ماركيز إلى محفوظ

قيمة إبراهيم عبد المجيد أنه يكتب عن الإسكندرية كما كتب جابرييل جارسيا ماركيز عن قريته "ماكوندو" في "مئة عام من العزلة". كلاهما جعل من المكان المحلي مسرحًا كونيًا للحكاية الإنسانية.

وكما حوّل لورانس داريل الإسكندرية إلى فسيفساء بصرية وشهوانية في "رباعية الإسكندرية"، فإن عبد المجيد أعاد تقديمها من الداخل، بعيون أبنائها، لا بعيون غريبة.

وإذا كان نجيب محفوظ قد شيّد ملحمة القاهرة في "الثلاثية"، فإن عبد المجيد شيّد ملحمة الإسكندرية، ببحرها، وأحيائها، وناسها، وتاريخها الممتد.

هذه المقارنات تكشف أن عبد المجيد لم يكن مجرد روائي محلي، بل امتدادًا طبيعيًا للتقاليد الروائية العالمية، وإن بصوت مصري خالص.

من المحلية إلى الكونية

ميزة عبد المجيد أنه لم يقع في فخ المحلية الضيقة، لقد أدرك أن الانطلاق من التفاصيل الصغيرة الصادقة هو الطريق إلى التعبير عن الهم الإنساني العام.

حين يكتب عن بيت صغير في حي شعبي بالإسكندرية، فإن القارئ في باريس أو بوينس آيرس أو طوكيو يشعر أن هذه الحكاية تخصه، وهذه هي عظمة الأدب: أن يكون محليًا بعمق، وإنسانيًا بلا حدود.

الكتاب كوثيقة ثقافية

كتاب "من قلب الإسكندرية إلى فضاء العالم" يتجاوز كونه تذكارًا أدبيًا، ليصبح وثيقة جماعية توثق لتجربة كاتب كبير ما يزال حيًا بيننا. وفي زمن سريع النسيان، تأتي مثل هذه الكتب لتؤكد أن الثقافة ليست مجرد إنتاج نصوص، بل هي أيضًا حفظ لذاكرة المبدعين، وتوريث للأجيال القادمة صورة كاملة عن منجزهم.

إبراهيم عبد المجيد ليس مجرد روائي إسكندري، بل هو ذاكرة سردية حية لمصر والعالم العربي، لقد استطاع أن يحول مدينته إلى رمز إنساني، وأن يجعل من الأدب جسرًا بين الماضي والحاضر، بين المحلي والكوني، بين البحر المتوسط وفضاءات الإنسانية الرحبة.

وكتاب "من قلب الإسكندرية إلى فضاء العالم"، من إعداد الشاعر سعدني السلاموني، وإصدار دار صفصافة بالقاهرة، ليس مجرد احتفاء بكاتب كبير، بل هو دعوة للتأمل في معنى الأدب، وفي قدرة الكلمات على أن تحفظ ذاكرة المدن والأمم، وأن تفتح أبواب العالم أمام القارئ أينما كان.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب