في ظل التطورات الحديثة في التشخيص والعلاج، مثل تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي المتقدمة وعلاجات استنزاف الخلايا البائية الفعالة، يقول عدد العلماء إن الخطوة التالية في رعاية مرضى التصلب المتعدد قد تكون الوقاية.
وبحسب موقع "Web MD" يعتقد العلماء أنهم في طريقهم نحو التمكن من تشخيص المرض قبل ظهور أعراضه الكاملة، خلال ما يُعرف بالمرحلة "البادرية"، وقد يتيح هذا للأطباء فرصة للتدخل في سنوات المراهقة أو أوائل البلوغ، مما قد يمنع حدوث حالة قد تؤدي إلى إعاقة خطيرة أو تدهور عصبي .
تفاصيل الدراسة
قام باحثون كنديون مؤخرا بتحليل أنماط زيارة الرعاية الصحية لأكثر من 10 آلاف شخص على مدى 25 عاما، ووجدوا أن أولئك الذين أصيبوا في نهاية المطاف بالتصلب المتعدد كان لديهم نمط واضح من زيارات الطبيب، يختلف عن تلك الخاصة بعامة السكان.
ومن بين الملاحظات، أن المرضى قبل اثني عشر عامًا من تشخيص إصابتهم بالتصلب المتعدد، قاموا بزيارة المرضى الأطباء النفسيين بمعدل أكثر من ضعف المعدل، مقارنة بالأشخاص من نفس العمر والجنس والمنطقة الجغرافية الذين لم يتم تشخيص إصابتهم بالتصلب المتعدد.
وبحسب الباحثة الرئيسة للدراسة هيلين تريمليت، أن "الناس كانوا يتغيرون بالفعل" خلال الفترة من أوائل إلى منتصف العشرينات من عمرهم، حيث كان متوسط عمر بداية الإصابة بالتصلب المتعدد في الدراسة 37 عاماً.
نمط يمتد إلى 15 عامًا قبل تشخيص المرض
يتوافق نمط زيارات الرعاية الصحية الذي كشفت عنه الدراسة مع المعرفة الموجودة حول أعراض التصلب المتعدد المبكرة ، والتي تتضمن أنواعًا من المشكلات الصحية غير الواضحة، مثل الألم والتعب والصداع والدوار والقلق والاكتئاب، والتي قد يكون من الصعب على الأطباء تشخيصها.
كان الأمر اللافت للنظر بشكل خاص هو عدد السنوات التي سبقت ظهور مرض التصلب العصبي المتعدد، حيث بدأ نمط زيارات الطبيب كالتالى:
15 عامًا: قبل ظهور الأعراض الواضحة بعقد ونصف من الزمان، كان معدل زيارات الأشخاص الذين من المتوقع أن يصابوا بالتصلب المتعدد إلى طبيب عام أعلى بنسبة 19%، وكانوا أكثر عرضة لزيارة الطبيب بسبب "أعراض غير محددة" مثل التعب أو الألم.
12 إلى 14 عامًا: كانت زيارات الصحة العقلية أعلى بشكل ملحوظ في سن 14 عامًا قبل التشخيص، مع ارتفاع في زيارات الطب النفسي بدءًا من سن 12 عامًا وتصاعد بعد ذلك.
8 إلى 9 سنوات: آلام العين وعدم وضوح الرؤية من الأعراض الشائعة للتصلب المتعدد، والأشخاص الذين تم تشخيصهم في النهاية كانوا أكثر عرضة لطلب الرعاية العصبية وطب العيون بدءًا من ثماني إلى تسع سنوات في وقت مبكر.
3 إلى 5 سنوات: كانت زيارات غرفة الطوارئ وزيارات الأشعة للتصوير الطبي، أعلى من تلك التي قام بها عامة السكان بدءًا من حوالي ثلاث إلى خمس سنوات قبل التشخيص.
عام واحد: في العام الذي سبق تشخيص الإصابة بالتصلب المتعدد، وصلت زيارات الأطباء عبر التخصصات إلى ذروتها.
لكن في الواقع، فإن الزيارات الإضافية للطبيب بسبب التعب أو الألم، ليست أسباباً لإجراء فحص بالرنين المغناطيسي للتحقق من وجود آفات دماغية مرتبطة بالتصلب المتعدد ، ومن المؤكد أنه ليس من الممكن اختبار كل من يرى طبيباً نفسياً بشكل متكرر للكشف عن الاكتئاب أو القلق.
لماذا لا يُعد فحص الدم لمرض التصلب المتعدد فكرةً مستبعدة؟
درس البروفيسور ديفيد هافلر، الحاصل على دكتوراه في الطب، التصلب المتعدد لما يقرب من 50 عامًا، وقد حدد بحثه المحوري، الذي امتد لخمسة عقود، التصلب المتعدد كمرض مناعي ذاتي وراثي، ويدرس فريق في مختبره حاليًا أشخاصًا لديهم تاريخ عائلي قوي للإصابة بالتصلب المتعدد، وهو جهدٌ أحصى حوالي 250 طفرة جينية تزيد من خطر الإصابة، بهدف تطوير فحص دم.
وقال هافلر إن الحل يكمن في مراقبة من لم يُصابوا بعد بفيروس إبشتاين بار (EBV) - ، وهو عدوى لا تظهر أعراضها عادةً وتنتشر عبر اللعاب وسوائل الجسم؛ ويصيب حوالي 90% من الناس بحلول سن 25، وقد ربطت دراسة رائدة أجريت عام 2022 الفيروس بالتصلب المتعدد.
يشتبه هافلر في أن فيروس إبشتاين-بار يؤدي لدى بعض الأشخاص إلى خلل في قدرة الجهاز المناعي على تحمّل خلاياه، ما يدفع الخلايا التائية ذاتية التفاعل في الجسم إلى مهاجمة الخلايا السليمة، ويقوم هو وزملاؤه بمراقبة التغيرات في عينات الدم للأشخاص الذين تتم دراستهم بعد اكتشاف فيروس إبشتاين بار لأول مرة.
وأضاف أن بعض العوائق تظهر خلال تطوير فحص دم، مثل أن بعض الأشخاص يعانون من تصلب متعدد غير حاد، أو لديهم آفات دماغية تُشخَّص في تصوير بالرنين المغناطيسي يُطلب منهم ذلك لسبب مختلف، ولا تظهر عليهم أعراض أبدًا، في هذه الحالات، قد لا يكون علاج نقص الخلايا البائية مجديًا بسبب الآثار الجانبية المحتملة، مثل ضعف جهاز المناعة.
من المتوقع أيضًا إجراء فحص جيني للتصلب المتعدد، ورغم عدم توفره بعد خارج نطاق التجارب البحثية، إلا أنه يزداد دقة، وفقًا لهافلر، وإلى جانب المتغيرات الجينية الـ 250 المعروفة، يدرس العلماء احتمالية الإصابة بالتصلب المتعدد لدى الأشخاص الذين يعاني أحد والديهم (أحدهما أو كليهما) من التصلب المتعدد.
ومع تأكيد أحدث الأبحاث على الفترة المبكرة الطويلة لتطور المرض، قال هافلر أن الخطوة التالية يجب أن تكون تحديد المرضى المعرضين للخطر، ثم مراقبتهم في اللحظة التي تظهر فيها عليهم علامات تطور المؤشرات الحيوية للتصلب المتعدد.