كم أنا حزين لما آل إليه موقع ذاكرة مصر الذى أطلقته مكتبة الإسكندرية فى عام 2008، والذى أصبح قديما متهالكا، فى الوقت الذى كان من المفترض أن تطلق منه نسخة رقمية مطوره وحديثة، مع إطلاق نسخة منه باللغة الإنجليزية وذلك عام 2019.
لقد أبت إدارة مكتبة الإسكندرية السابقة والحالية إلا أن تقتل هذا المشروع بل تدخله فى غياهب الجمود، هذه المشروعات لا يجب أن ترتبط بفرد، فهى تحقق ما تطلبه الأجيال الجديدة من معلومات تاريخية موثقه عن الوطن، وهو ما حققه هذا الموقع من عام 2008 إلى عام 2019، لكن مع تطور التكنولوجيا والإقبال على الموقع بات لابد أن يتطور ليصبح البحث به أكثر استجابة لمستخدمه وواجهته أكثر حداثة ومعلوماته تستجيب لمتطلبات العملية البحثية، تم إلغاء الإدارة التى كانت تدير الموقع ومعه عشرات المشروعات البحثية التى كان من أهدافها تعزيز الموقع، بل من أجل هذا الموقع اقتنت المكتبة مئات الوثائق والصور التى لا تزال حبيسة فى مخازن المكتبة دون استخدام أو اتاحه للباحثين.
فهل من الرشد أن يذهب راغبو التعرف على مصر وتاريخها الحديث والمعاصر إلى مواقع أجنبية تفرض سرديتها على التاريخ الوطنى، كموقع المكتبة الوطنية الإسرائيلية وغيره.
إن الهدف من موقع ذاكرة مصر هو إتاحة المعلومة التاريخية معززه بالصور والفيديوهات والعملات والصحف وغيرها، دون أن تفرض رأيا محددا على القارئ بل تتركه يشكل وجهة نظره ويغوص أكثر فأكثر فى الموقع فى متعه الغوص فى التاريخ لا يخرج الزائر إلا وهو مشبع بكم كبير من المعلومات، وهذا ما تحرص عليه العديد من الدول، هذا ما يطلق عليه ضمنا الأمن الثقافى الوطنى، إذ مثل هذه المواقع تشكل الهوية الوطنية، وبدونها سيكون هناك فجوة لدى المواطنين فى التعرف على تاريخ الوطن وتراثه، وهذا ما يسد ثغرة فقدان العلاقة الحميمة لطلاب المدارس مع مادة التاريخ، وتحويلها من مادة جافة إلى مادة شيقة مثيرة، لكن الجمود الذى أصاب الموقع جعل القراء يعزفون عنه، بعد أن كان لسنوات يتصدر محركات البحث فى مصر، وزاد الطين بله أن مجلة ذاكرة مصر تراجع مستواها بشده خاصة أنها أغلقت أبوابها فى وجه عدد كبير من المتخصصين فى مصر، فقد فضلت أن يصبح معظم كتابها من العاملين فى المكتبة، وأن لا تجدد موضوعاتها، وتحولت من نمط خدمة التاريخ الوطنى إلى التفكير البحت بكم تباع، فبعد أن كانت تباع فى أقصى تقدير بعشرة جنيهات، مدعومه بتمويل من جهات متعددة، صارت تباع بما يقرب من مائة جنية مصرى فكأنها مشروع تجاري، فهل هدف مكتبة الإسكندرية هو المكسب والربح، ولو كان هدفها ذلك فلماذا لا نحولها لشركة تجارية.
إن على إدارة مكتبة الإسكندرية أن تراجع مشاريعها بل وأن تعاود النظر فيما آلت إليها مشاريعها البحثية وشراكاتها فى عدد من البرامج البحثية، بعد أن تراجع رصيدها على الصعيد المحلى والإقليمى والدولى، بل صارت مزارا سياحيا لطيفا دون أن تدرك أن المكتبات تحولت وظيفتها من ترفيف الكتب إلى إنتاج المعرفة عبر برامج ومشروعات بحثية بعضها ممتد وبعضها قصير الأجل، وهذا ما يجعل تصنيفها على الصعيد الدولى حاضرا، فهل غابت شمس مكتبة الإسكندرية قبل أن تكمل ربع قرن على افتتاحها.