إبان انطلاق الماراثون الانتخابيّ، والذي يبدأ بالمنافسة على مجلس الشورى المصريّ، تجد الجميع، أفرادًا وجماعات، وأحزابًا، يعتمدون على مسارات التسويق السياسيِّ، التي تُظهر من خلالها ما تتضمنه البرامج الانتخابية للمرشَّحين، وفي هذا الإطار يتم التركيز على ما يتفرَّد به كل مرشح من مُقوِّمات، تجعله يكسب ثقة ناخبيه، أو جمهوره، ويستطيع أن يؤدي الرسالة المُخوَّل بها، والتي تتمثل في تقديم الخدمات، وتلبية الاحتياجات، والقيام بالدور التشْريعيِّ، من خلال اللِّجان المتخصصة، ومتابعة الأعمال، والتكليفات داخل أسْوار المجلس التشْريعيٍّ، ناهيك عن مهام المتابعة، والرِّقابة الميدانيَّة.
أعتقد أن الصُّورة الذهنيَّة؛ للعمل العام قد تغيَّرتْ تمامًا، في ظلِّ المرْحلة الرَّاهنة، التي قد أخذت الدَّوْلةُ، ومؤسَّساتها الوطنيَّة، وقيادتها السياسيَّة، على عاتقها بناء جُمهورية جديدة، تقوم على العدْل، والمُساواة، والتَّكافل، والتَّضافر؛ ومن ثم تتضاعف المسْئُولية، التي تترجمها جهود مضْنية متواصلة؛ من أجل تنمية هذا الوطن، وتقديم الدَّعم اللازم لمؤسّساته؛ كي تنهض، وتستطيع أن تحقِّقَ الغايات المنْشُودة، وهذا بالطبع يُدْحض الفكْرة الباليَة، التي قد عفا عليها الزَّمنُ، والتي تتمثل في جنْي ثمار جرَّاء تحقيق مصالح خاصَّةً بالانتساب لقُبَّة البرْلمان؛ حيث الحصانة، والامتيازات غير المسْبوقة.
الرئيس عبد الفتاح السيسي قد حدَّدها بلسان مُبين، فقال: إن المرْحلة التي نحن فيها الآن للمشْروعات، لا للشِّعارات؛ ومن ثم على من ينتوي خوْض غِمار العمل العام، من خلال ترشّحه لعضوية المجالس النيابيَّة، أن يعي ما سوف يقع على عاتقه، وما سوف يُكلَّفُ به في تلك الفترة، من أعمال، ومهام، تضيف للعمل العام، وهذا ما يُبْرزه في برنامجه الانْتخابيِّ، الذي يتقدم به؛ ليشملَ رؤيته الطَّمُوحة، والحلول، التي تقوم على فرْضيات ذكيَّة، لكافَّة القضايا، التي تشغل الرأْي العام، والمجتمع قاطبةً، ناهيك عن مشاركاته البنَّاءة في ميدان العمل، والإنْجاز.
السِّباقُ، والتسْويقُ السِّياسيِّ نحو المجالس النيابيَّة، يقوم على تعْزيز الثِّقة بين من يتقدّم ببرنامجه، والجمهور المُسْتهدف؛ فيعرض من خلال أدواته المُتطوّرة، ما يتضمنه، أو يشْمله مراحل هذا البرْنامج؛ كي يقتنعَ الناخبُ، ويُدْلي بصوته له، في صناديق الاقْتراع، وهذا بالطبع يكبِّدُ الفرْدَ، أو الحِزْبَ، الذي ينتمي إليه، مزيدًا من الإنفاق على المُؤْتمرات، التي تُعْقدُ، والندواتُ، التي تُقامُ في الميادين، والسَّاحات، والأماكن العامَّة، والخاصَّة؛ بغرض إيصال الرِّسالة بصورة صحيحة لجُلِّ الفئات المُسْتهدفة.
بالطبع التسويق السِّياسيِّ قد تطوَّر كثيرًا في ظِلِّ التِقْنيَة الحديثة، وذيوعِ وسائل الإِعلام المسْمُوعة، والمقْروءة، والمرْئية؛ بالإضافة إلى مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ، المُتعدَّدة، و سَريعة الانْتشار، ولا شكَّ أن هناك خبراءَ للدِّعاية الرَّقميَّة، يستطيعون أن يصلوا إلى الفئات المُسْتهدفة بكل دِقَّة، عبْر الإعلانات المُمَّولة، وهنا ينبغي أن يُدْركَ المُرشَّحون أهميَّة، وضرورة الفضَاء الرَّقميَّ في عمليَّة التسْويق السِّياسيِّ، وخوْض غِمار التنافس الشَّريف.
أعتقد أن نجاح التسْويق السياسيِّ، يقوم على مِصْداقيَّة العرْض، والمُحْتوى، والطَّريقة، والمنْهج، اللَّذي سوف يُتَّبعُ بعد اجتياز الانتخابات، وهذا يجعل المُرشَّح يسْتطردُ كافّـة التفاصيل، التي تُوضِّحُ ملامحَ برْنامجه؛ ليُحقِّقَ الهدفَ الرئيس من حمْلته الانتخابيَّة، والذي يتمثَّلُ في قناعة الناخبِ ببرْنامجه، وما سوف يقوم به من أجل العمل على تلْبية الاحتياجات، والتطلُّعات الآنية، والمسْتقبليَّة على حدٍّ سواءً.
مما لا شكَّ فيه أن البرامجَ الانتخابيَّة في جُمْلتِها، تُسْتلُّ من أهداف الدَّوْلة المُحدَّدة بالاسْتراتيجيَّة، والرُّؤْية المُعْلنة لها؛ لذا فإن إعلاء المصْلحة الوطنيَّة، يُعدُّ الشِّعار الجامعَ لجميع المُرشَّحين، دون استثناء، وهذا يجعل كل مُرشَّحٍ يسْتعرضُ الرُّؤْية الإيجابيَّة، التي تخْدمُ الأجندةَ الوطنيَّةَ، بصورةٍ مباشرةٍ، بعيدًا عن الفِئَويَّة، أو الذَّاتيَّة، أو حتى طبيعة الانْتماء الحزبيِّ؛ فالجميعُ يقدِّمُ نفْسهُ، باعتبار أنه خادمٌ للدَّوْلة، ولشَعْبِها العظيم، وهذا ما يتوجَّبُ أن تقوم عليه فلْسفة التسْويق السِّياسيِّ.
نطْمحُ بأن يُحقِّقَ التسْويقَ السِّياسيَّ للجميع الغاية المنْشُودة منه، والتي تكُمُن في تعْزيز المَسَار الدِيمُقراطيَّ بربُوع الوطن، وأن نتخلى عن عاداتٍ، وموروثاتٍ، قد أضحتْ باليةً؛ فنخرجُ من عَباءة التعصُّب، إلى ساحة الشَّراكة في بناء الوطن؛ لنُصْبِحَ جميعًا يدًا واحدةً، ويستطيع من يقعُ عليه الاختيار أن يؤدي رسالته على الوجه الأكْمل؛ لتصلَ بلادُنا الحبيبةُ إلى برِّ الأمان، والاسْتقرار، والنَّهْضة المنْشُودة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.