بوابة كأس العالم للأندية

أسماء نصار

أوروبا تحترق .. ومصر أمام معركة المناخ المصيرية

الأحد، 06 يوليو 2025 07:53 م


لا يمكننا بعد الآن تجاهل الصرخات القادمة من قلب أوروبا، فما يحدث هناك الآن ليس مجرد موجة حر عابرة، بل هو جحيم مناخى يلتهم القارة العجوز فى بداية صيف 2025، لقد تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية، وسقطت وفيات فى فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وحرائق غابات تلتهم الأخضر واليابس فى كاتالونيا والبرتغال، مدارس تغلق، وشوارع تعلن فيها حالة الطوارئ، هذه ليست مجرد أرقام تحصى، بل هى تراجيديا إنسانية تتكشف أمام أعيننا، وتحمل فى طياتها تحذيرًا صارخًا لنا فى مصر.

إن "القبة الحرارية" التى تحبس الهواء الساخن فوق أوروبا، وارتفاع درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط بشكل غير مسبوق، هما الوجهان القبيحان لتغير المناخ، وكما تحذر الأمم المتحدة، إنها "القاتل الصامت" الذى يتربص بالجميع، أوروبا، الأسرع ارتفاعًا فى درجات الحرارة عالميًا، تظهر لنا المستقبل القاتم الذى ينتظرنا إذا لم نتحرك الآن، وبكل قوة وحسم.

مصر، بموقعها الجغرافى الحيوى فى قلب حوض البحر الأبيض المتوسط، ليست بمنأى عن هذه التحديات المناخية العالمية، ما نشهده اليوم فى مناطق أخرى، هو إنذار لنا بضرورة الاستعداد والتخطيط لمستقبل يحمل تغيرات بيئية تتطلب منا استجابة وطنية شاملة، لضمان أمان ورفاهية أجيالنا القادمة.

قد يظن البعض أن ما تشهده مناطق عالمية كتلك التى تؤثر فى أوروبا حاليًا من تغيرات مناخية لافتة، هو أمر بعيد عن واقعنا، لكن الحقيقة هى أن مصر، بموقعها الجغرافى الحيوى فى حوض البحر الأبيض المتوسط، ليست بمنأى عن هذه التحديات، إن فهمنا الدقيق للوضع واستعدادنا الجماعى أصبح أمرًا حتميًا.

هذه التغيرات قد تضع أمامنا تحديات مباشرة وواضحة فى عدة قطاعات حيوية، فعلى سبيل المثال، قد تواجه المناطق الساحلية والدلتا تأثيرات محتملة تتطلب تخطيطًا دقيقًا لحماية أراضينا الزراعية الخصبة وبنيتنا التحتية، كما يمكن أن تتعرض مواردنا المائية لضغوط متزايدة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر وتغير أنماط الأمطار، مما يستوجب إدارة جيدة للمياه، وفى القطاع الزراعى، فإن التحديات المناخية قد تؤثر على إنتاجية المحاصيل، ما يدفعنا نحو تبنى حلول مبتكرة لضمان استقرار أمننا الغذائى.

وفيما يتعلق بالصحة العامة للمواطنين، من الضرورى أن ننتبه إلى كيفية التعامل مع الأيام الأكثر حرارة، خصوصًا لضمان سلامة الفئات الأكثر حساسية كبار السن والأطفال، وتوفير الدعم اللازم لهم، هذه التحديات ليست مجرد توقعات بعيدة، بل هى جزء من واقع بيئى يتطور باستمرار حولنا، لذا، فإن الأمر يتطلب منا جميعًا، كأفراد، ومؤسسات، وحكومة، أن نعمل بجدية وبتعاون كامل، إن استجابتنا الواعية والمبكرة، المبنية على الفهم والتخطيط، هى السبيل لضمان مستقبل آمن ومستقر لأجيالنا القادمة.

وفى هذه المعركة المصيرية، لا يمكننا أن نغفل الدور المحورى الذى يجب أن تقوم به الدول الصناعية الكبرى، فتاريخياً، كانت هذه الدول هى المساهم الأكبر فى الانبعاثات التى أدت إلى تفاقم أزمة المناخ العالمية، لذا، يقع عليها واجب أخلاقى ومسؤولية تاريخية لدعم الدول النامية، مثل مصر، فى جهودها للتكيف مع الآثار المدمرة للتغير المناخى والتخفيف من حدتها، لقد آن الأوان أن تفى هذه الدول بالتزاماتها وتعهداتها المالية والتقنية، فالمعركة ضد تغير المناخ هى معركة عالمية تتطلب تضامنًا حقيقيًا وعدالة مناخية، فبدون الوفاء بهذه الالتزامات، ستظل الجهود الوطنية، مهما عظمت، تواجه عقبات هائلة، وسيبقى عالمنا بأكمله فى خطر.

لم يعد هناك مجال للتأجيل، فالتحديات المناخية تتطلب تحركًا حكوميًا عاجلًا وحاسمًا، الأولوية القصوى هى تسريع التحول الأخضر، بدءًا من التوسع الفورى فى محطات تحلية المياه لضمان الأمن المائى، وصولًا إلى ضخ استثمارات فى الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، وتسريع مشروعات الهيدروجين الأخضر لتقليل التلوث.

يجب على الحكومة أيضًا استكمال مشروعات حماية الشواطئ بحواجز الأمواج وتغذية الرمال، وتطوير شبكات الصرف الصحى والرى لتكون قادرة على التعامل مع السيول والجفاف، كما يجب تأمين شبكات الكهرباء لمواجهة أحمال الصيف القاسية.

فى الزراعة، من الضرورى دعم البحث العلمى لتطوير محاصيل مقاومة للحرارة والجفاف، وتطبيق تقنيات الرى الحديثة والزراعة الذكية.
و يتطلب الوضع تأهبًا وقائيًا لا يعرف المهادنة، هذا يعنى تفعيل أنظمة إنذار مبكر متطورة للظواهر الجوية المتطرفة، ووضع خطط طوارئ شاملة، إلى جانب تدريب الأجهزة المعنية والفرق الميدانية على التعامل الفعال مع الكوارث المناخية.

إن مسؤولية مواجهة التحديات المناخية لا تقع على عاتق الحكومات وحدها، فدورنا كأفراد لا يقل أهمية، حيث يبدأ إنقاذ المستقبل من قراراتنا اليومية داخل كل بيت وشارع، لذلك يجب علينا ترشيد استهلاك المياه والطاقة، فكل قطرة ماء وكل وات كهرباء نوفرها اليوم يمثل استثمارًا حقيقيًا في مستقبلنا ومواردنا الشحيحة، كما أن التوعية وتبني السلوكيات الخضراء أمر حيوى، لذا يجب عليك مشاركة المعلومات مع الآخرين حول أهمية حماية البيئة، و لتكن قدوة فى تقليل بصمتك الكربونية اليومية، و تذكر أن مبادرات مثل "اتحضر للأخضر" ليست مجرد شعارات، بل هى دعوة لتغيير شامل فى نمط حياتنا نحو الاستدامة.

و أخيرًا، يجب علينا المشاركة بفاعلية فى المبادرات الوطنية والمجتمعية التى تهدف لحماية البيئة، كالانضمام إلى حملات لزراعة الأشجار أو أى جهود جماعية تسعى للحفاظ على كوكبنا، فكل خطوة، مهما بدت صغيرة، تحدث فرقًا كبيرًا فى هذه المعركة المصيرية.

ما يحدث فى أوروبا اليوم هو مرآة لما يمكن أن يحدث لنا غدًا، لا وقت للتأجيل أو التردد، فالمستقبل الذى نخشاه لم يعد بعيدًا، بل يطرق أبوابنا بقوة، محملاً بتحديات لم نشهد مثلها من قبل، لم يعد هناك أى مجال للتأجيل أو التردد، فلننهض معًا، كدولة وكشعب، لنواجه هذا التحدى المصيرى بكل إصرار.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب





الرجوع الى أعلى الصفحة