الأرواح التي تُزهق يوميًا على الطرق بسبب حوادث النقل ليست مجرد أرقام في نشرات الأخبار، بل دماء حقيقية وضحايا أبرياء يدفعون ثمن الإهمال وغياب الرقابة والمحاسبة. لم يعد مقبولًا أن تظل الشوارع تحت رحمة سائق متهور أو شاحنة منفلتة بلا رقابة.
إن إنشاء منظومة رقمية شاملة تربط كل مركبة نقل بالدولة وتُراقب تحركاتها وسرعتها لحظة بلحظة لم يعد خيارًا تكنولوجيًا، بل أصبح واجبًا وطنيًا لا يحتمل التأجيل، لحماية أرواح المصريين قبل أن تتحول الطرق إلى مقابر مفتوحة.
فقد شهدت مدينة أكتوبر مؤخرًا واقعة كادت أن تتحول إلى كارثة إنسانية، بعد تداول مقطع فيديو يُظهر ثلاث سيارات نقل ثقيل تسير بسرعة جنونية على أحد الطرق الحيوية، معرضة حياة المواطنين للخطر.
الداخلية تدخلت بسرعة وأعلنت ضبط المركبات الثلاث، وكشفت أن قائديها كانوا يقودون بتراخيص منتهية وبأسلوب متهور، وأن السيارات مملوكة لأحد المقاولين.
ولكن، خلف هذا الخبر العابر تكمن أزمة أعمق تستحق التوقف عندها، بل وتستدعي إعادة النظر في المنظومة كاملة.
غالبًا ما نجد أن سائقي الشاحنات الثقيلة ليسوا ملاك المركبات، بل مجرد سائقين مأجورين، يتعاملون مع الشاحنة وكأنها "شيء مستأجر"، لا يعنيهم إن تعرضت للتلف أو تسببت في كارثة.
وهنا تكمن الخطورة: غياب الشعور بالمسؤولية، وهو ما يؤدي إلى قيادة متهورة، وسرعات قاتلة، واستهتار تام بأرواح الناس على الطريق.
في ظل التطور التكنولوجي الحالي، أصبح من الممكن – بل ومن الضروري – تثبيت أجهزة تتبع GPS في كل مركبة نقل ثقيل، تقوم بمراقبة سرعة المركبة وموقعها لحظيًا، وتربطها بمنظومة حكومية مركزية.
وعند حدوث أي تجاوز للسرعة المقررة على الطريق، يجب أن يتم:
إرسال إشعار مباشر لمالك المركبة.
استدعاؤه فورًا للنيابة العامة ومرور المنطقة.
تحرير محضر رسمي بالواقعة.
توقيع غرامة مالية رادعة.
وقف ترخيص المركبة مؤقتًا أو دائمًا حسب درجة المخالفة.
هذا النظام، إن تم تطبيقه بصرامة، سيُجبر كل سائق مستهتر أن "يلم نفسه"، ليس حبًا في القانون، بل خوفًا من العقاب الذي سيطال هو والمقاول صاحب الشاحنة أيضًا.
فلن تتوقف كوارث النقل الثقيل ما دام السائق لا يشعر أن هناك من يراقبه أو يحاسبه، وما دام مالك المركبة لا يُحاسب على تصرفات من يعمل لديه.