في مثل هذا اليوم من عام 1855، طبعت لأول مرة الطبعة الأولى من ديوان "أوراق العشب" (Leaves of Grass)، الذي نشره الشاعر الأمريكي والت ويتمان، وضمّ حينها اثنتي عشرة قصيدة فقط، لكنه مهد الطريق لواحد من أكثر الأعمال تأثيرًا في الشعر الأمريكي.
ولد ويتمان في ويست هيلز، لونج آيلاند، ونشأ في بروكلين، حيث ترك المدرسة في سن الرابعة عشرة ليصبح طابعًا ماهرًا، قبل أن يعمل لاحقًا في مجالات متعددة مثل التعليم، الصحافة، التحرير، والنجارة، ليعيل نفسه ويُكرّس حياته للكتابة.
اختار ويتمان أن ينشر ديوانه الأول بنفسه، ووضع صورته على الغلاف دون أن يذكر اسمه، كان يرى في هذا الكتاب مشروع عمره، إذ راجعه وأعاد تحريره مرات عديدة على مدار حياته، مضيفًا إليه باستمرار، ومانحًا كل طبعة جديدة شكلًا ورؤية مختلفة.
في الطبعة الثانية التي صدرت عام 1856، أضاف قصيدة "غروب الشمس"، التي أصبحت تُعرف لاحقًا باسم "عبور عبارة بروكلين" (Crossing Brooklyn Ferry)، وهي من أكثر أعماله شهرة ومحبة. كان ويتمان يستوحي الكثير من شعره من لقاءاته مع الناس، إذ كان يتعمد ركوب العبارات والحافلات الطويلة للتفاعل مع المسافرين، كما كان شغوفًا بالمشي وحضور الفعاليات الثقافية في مانهاتن.
في عام 1862، عندما أُصيب شقيقه في معركة فريدريكسبيرغ خلال الحرب الأهلية الأمريكية، توجّه ويتمان لرعايته. لكنه سرعان ما كرّس نفسه لزيارة المستشفيات ومواساة الجنود، سواء من قوات الاتحاد أو الكونفدرالية، وظل يؤدي هذا الدور الإنساني حتى نهاية الحرب.
بعد الحرب، عمل في عدة مناصب حكومية، حتى أُصيب بجلطة دماغية عام 1873، أجبرته على التقاعد والانتقال للعيش في كامدن، نيو جيرسي. هناك، أمضى بقية حياته مستمرًا في تحرير ونشر طبعات منقحة من "أوراق العشب"، حتى وفاته عام 1892.
ظلّ "أوراق العشب" يتطور معه، ليصبح بمثابة سيرة شعرية متكاملة، تُجسد روح أمريكا الناشئة، وتعبر عن الحرية، الديمقراطية، الجسد، الروح، والطبيعة الإنسانية في أعمق تجلياتها.