فى زمن الشعارات الخاوية.. مصر تقود استعادة القيم الأخلاقية عبر مسارات سياسية واقتصادية وإنسانية في غزة.. القاهرة صنعت اصطفافًا عالميًا خلف فلسطين.. ورهنت الاستقرار بحل الدولتين والتمكين الاقتصادي لسكان القطاع

الأربعاء، 30 يوليو 2025 05:10 م
فى زمن الشعارات الخاوية.. مصر تقود استعادة القيم الأخلاقية عبر مسارات سياسية واقتصادية وإنسانية في غزة.. القاهرة صنعت اصطفافًا عالميًا خلف فلسطين.. ورهنت الاستقرار بحل الدولتين والتمكين الاقتصادي لسكان القطاع معبر رفح

بيشوى رمزى

الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، سواء باستهداف المدنيين، وقتل آلاف الشيوخ والنساء والأطفال، أو تجويع الأحياء منهم، عبر منع وتقييد دخول المساعدات الإنسانية، لتحقيق أهداف بنيامين نتنياهو وحكومته، والقائمة في الأساس على تهجير سكان القطاع، لتصفية القضية الفلسطينية، كشفت فراغا أخلاقيا، ربما غير مسبوق في النظام الدولي، في ضوء حالة الصمت التي انتابت العالم، لشهور طويلة، قبل أن يتحرك قطاع منه تدريجيا، نحو خطوات ملموسة للضغط على تل أبيب، سواء بملاحقتها ومسؤوليها أمام القضاء الدولي، أو عبر سلسلة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية، لإنهاء الاحتلال والانتصار للشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين، تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

حالة الفراغ الأخلاقي، عكست بما لا يدع مجالا للشك حقيقة مفادها خواء الشعارات التي دارت حول حقوق الإنسان، لعقود طويلة من الزمن، حيث لم تكن أكثر من مجرد "حبر على ورق"، بينما اقتصرت أهدافها على إضفاء مزيد من الشرعية للنظام العالمي بصورته الحالية، وتحقيق مصالح قوى بعينها، لا يعنيها سوى تثبيت هيمنتها.

ولعل الأزمة في غزة خلقت إطارا تحليليا لمراجعة السياسات الغربية في ملفات أخرى، على غرار الأوضاع في أوكرانيا، وسياسة التعريفات الجمركية، التي باتت تتبادلها واشنطن مع محيطها الدولي، وغيرهما من المستجدات، لتؤكد أن المرجعية الأخلاقية في السياسة الدولية لم تعد حاكمة في أي ملف، سواء في الحروب العسكرية أو في العلاقات الاقتصادية، إلا أن هذه الحقيقة توارت مرحليا خلال سنوات الرخاء في الغرب، والتي تلت الحرب الباردة، بينما تكشفت الأمور تدريجيا، جراء انقضاء حالة التماهي المصلحي، بين جناحي المعسكر الغربي (أوروبا والولايات المتحدة) جراء تصاعد الأزمات وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، وعودة الصراعات العسكرية مجددا إلى جغرافية القارة العجوز، بعد اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 2022.

وفي الوقت الذي تتخلى فيه المنظومة العالمية عن قيمها، التي طالما تشدقت بها، سواء تجاه القضايا الدولية، وعلى رأسها الصراع في الشرق الأوسط، ومؤخرا الحرب في غزة، أو حتى في إطار العلاقات البينية جراء الخلافات الأوروبية الأمريكية حول قضايا الاقتصاد وأوكرانيا، نجد أن ثمة أدوارا أخرى، تقوم الدولة المصرية ببنائها، في إطار أخلاقي، ليس بحثا عن نفوذ، أو للتباهي بفاعلية الدور، وإنما من منطلق إنساني بحت، يهدف بالأساس إلى إنقاذ ملايين الأرواح المحاصرة بين القصف والجوع، داخل القطاع، رغم حالة من التنصل العالمي من الالتزامات الإنسانية والحقوقية والأخلاقية، في لحظة فارقة في تاريخ النظام الدولي.

الموقف المصري من غزة، حمل العديد من المسارات المتوازية، منها السياسي، والقائم على تعزيز حل الدولتين، باعتباره السبيل للاستقرار المستدام، والاقتصادي، والذي تجلى في خطة إعادة إعمار القطاع، والتي تعتمد أبعادا من شأنها تعزيز صمود أهالي القطاع وتثبيتهم على أراضيهم، في حين كان المسار الإنساني متجليا في فتح المعابر وتقديم أكبر قدر من المساعدات رغم الأوضاع الاقتصادية العالمية وتداعياتها، ناهيك عن تحويل الأراضي المصرية إلى محطة عبور المساعدات القادمة من مختلف مناطق العالم بالإضافة إلى الضغوط التي مارستها الدولة المصرية لتمرير المساعدات منذ اللحظة الأولى لاندلاع العدوان بعد أحداث السابع من أكتوبر.

إلا أن المفارقة المثيرة للانتباه في هذا الإطار تتجلى في أن المسارات الثلاثة انضوت تحت مظلة قيمية، تعيد الاعتبار لـ"الشرعية الأخلاقية" التي باتت منتهكة عالميا، فحل الدولتين هو جوهر العدالة، في إطار الحق الذي ارتضاه العالم، منذ عقود، في حين يبقى إعادة الاعمار وتمكين المواطن الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، ناهيك عن المسار الإنساني الذي يمثل جانبا من الواجب الأخلاقي في حظة عجز دولي شامل.

المظلة الأخلاقية التي اتسمت بها الرؤية المصرية، دفعت قطاع كبير من دول العالم إلى الاحتشاد خلفها، وهو ما يبدو في التحول الكبير في مواقف الغرب الأوروبي، سواء بالاعترافات المتواترة بالدولة الفلسطينية، والتي تجاوزت كونها خطوة سياسية للضغط على نتنياهو وحكومته إلى التزام أخلاقي للحكومات أمام شعوبهم، خاصة مع تزايد الاحتجاجات في العديد من الدول حول العالم، تضامنا مع سكان القطاع الذين يئنون جوعا، جراء الحصار المفروض عليهم، بينما اكتفت دول أخرى بتغيير الخطاب من الانحياز للاحتلال، إلى إدانة ممارساته، وهو ما بدا في البيان الصادر عما يقرب من 30 دولة مؤخرا، معظمهم من دول الناتو، في انعكاس صريح لحالة الحرج الدولي التي باتت تعانيه القوى الدولية والإقليمية المؤثرة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة