بوابة كأس العالم للأندية

هيثم الحاج على

لماذا نحتاج إلى الثقافة؟ (7)

أين ذهب المشهد الثقافي الحقيقي؟

الخميس، 03 يوليو 2025 02:41 م


لم يعد خافيا أن التحولات العميقة التي طرأت على أنماط تفاعلنا الاجتماعي والثقافي قد ألقت بظلالها على المشهد الثقافي المصري، فإذا ما استعدنا بالذاكرة صور المقاهي أو أماكن التجمع الثقافية التي كانت يوما ما تحتضن نخبة المثقفين والأدباء، حيث كانت رائحة القهوة تختلط بآراء حادة ونقاشات مستفيضة حول أحدث الإصدارات الفكرية والفنية، فإننا لا يسعنا إلا أن نتساءل: أين ذهبت تلك الحميمية الثقافية؟ وأين تبخرت تلك التجمعات الحية التي كانت بمثابة مختبرات للأفكار ومحفزات للإبداع الجاد؟


تشير الإحصائيات إلى أن نسبة مستخدمي الإنترنت في مصر تجاوزت مؤخراً حاجز 50% من إجمالي عدد السكان، بما يزيد عن 45 مليون مستخدم. والأكثر دلالة هو المعدل اليومي لاستخدام الإنترنت الذي يقترب من 8 ساعات للفرد، وهو رقم يفوق المتوسط العالمي، وفي القلب من هذا الاستخدام المكثف، تحتل منصات التواصل الاجتماعي مكانة بارزة، حيث يبلغ عدد مستخدميها النشطين ما يقارب 50 مليون حساب، أي نحو 43% من السكان، وهذه الأرقام تعكس بلا شك التحول الكبير في طريقة تفاعلنا مع العالم ومع بعضنا البعض، ولا يمكن تجاهل تأثيرها العميق على المشهد الثقافي.


فبدلاً من أن نجد المثقف منكبًا على كتاب أو منخرطًا في نقاش حي داخل أحد المقاهي العريقة، أو في الأتيليه أو دار الأدباء مثلا أصبحنا نراه أسير شاشة هاتفه الذكي، يتنقل بين منشورات موجزة وتعليقات سريعة.


لقد اختزلت تلك النقاشات المعمقة التي كانت تستغرق ساعات في الماضي، اختُزلت اليوم إلى مجرد "إعجاب" أو إعادة تغريد لا تتجاوز بضعة أحرف.


وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد سهلت بلا شك عملية التواصل ونشر المعلومات على نطاق واسع، لكنها في المقابل ربما أسهمت في تهميش القضايا الثقافية العميقة التي تتطلب تأملاً ونقاشًا مطولاً.


على صعيد معدلات القراءة، تشير بعض التقارير إلى أن متوسط قراءة الفرد في مصر قد يصل إلى خمسة كتب سنويا، ومع ذلك، يبقى السؤال حول طبيعة هذه القراءة وعمق التفاعل مع المحتوى، فهل ما زال القارئ يجد الوقت والتركيز للانغماس في عمل أدبي طويل أو بحث فكري معمق في ظل سطوة المحتوى الرقمي القصير والسريع؟


أما عن الإقبال على المقاهي الثقافية، فعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة تحدد نسبة الشباب تحديدًا، فإن الملاحظات العامة تشير إلى أن دوافع ارتياد الشباب للمقاهي قد تحولت في جزء كبير منها نحو الترفيه والتواصل الاجتماعي السطحي، على حساب تلك الأجواء التي كانت تشجع على التفاعل الفكري والثقافي الجاد، خاصة في ظل تحول المؤسسات الثقافية إلى تفريغ محتوى عملها والعمل بطريقة سد الخانة، أي إقامة الحدث دون النظر إلى أثره هل تحقق أم لا.


إننا لا ندعو إلى الانكفاء على الماضي ورفض التكنولوجيا، فهي قد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، لكن السؤال الذي يلح علينا هو: كيف يمكننا استعادة تلك الروح الثقافية الأصيلة التي كانت تتجسد في التجمعات الحية؟ وكيف يمكننا تحويل تفاعلاتنا الرقمية إلى حوارات ثقافية أكثر عمقًا وتأثيرًا؟


ربما يكمن الحل في إيجاد نوع من التوازن بين العالمين الواقعي والافتراضي، وبين سرعة التفاعل الرقمي وعمق التأمل الفكري، وفي تحديث طريقة عمل المؤسسات الثقافية لتواكب المستجدات مع عدم تخليها عن دورها الجاد، إن القضايا الثقافية تستحق منا أكثر من مجرد نقرات سريعة وإعجابات عابرة، بل تستدعي منا عودة إلى التفاعل الإنساني المباشر والبحث عن مساحات حقيقية لتبادل الأفكار وتلاقحها، فالمشهد الثقافي المصري كان ولا يزال قادرا على التأثير والتغيير، ولكن ذلك يتطلب منا جهدا واعيا للحفاظ على جذوته حية في خضم هذا العالم الرقمي المتغير.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب





الرجوع الى أعلى الصفحة