في زمنٍ تتكاثر فيه الخيبات وتتكاثر الأسئلة وتتقافز الأوجاع من كل حدبٍ وصوب، تظهر فئة نادرة من البشر لا تحمل وصفًا بقدر ما تُمثّل روحًا، تسير على الأرض بعزيمة استثنائية، هم أولئك الذين يُتقنون تحويل الألم إلى أمل، والمحنة إلى منحة والانكسار إلى انتصار، هم صُنّاع الضوء في العتمة، وحاملو الرسائل في زمنٍ طغى فيه الصمت على الكلمات.
هم لا يمتلكون عصا سحرية، ولا يعيشون في كوكب موازٍ، ولا تغنيهم الرفاهية عن المحنة، بل على العكس تمامًا هم أبناء الوجع ورُسل الصبر، خرجوا من المعاناة كما يخرج الورد من بين الصخور، تعلموا أن الجرح باب، وأن العثرة درس، وأن الانكسار لا يعني السقوط، بل مجرد انحناءة مؤقتة تسبق القفز.
ما أحوجنا إليهم، في عالمٍ يعاني من فقر في الإنسانية، وتضخم في الأنين، ما أحوجنا إلى الذين يبعثون فينا الحياة بكلمة، إلى من يعرفون كيف يُربّتون على أكتافنا بعبارة بسيطة، توقظ فينا بقايا الشجاعة، إلى من يُحولون الدموع إلى بذور، تُثمر ضحكة، وإلى من يجعلون من الحزن سُلّماً لا سجنًا.
لا يتحدثون كثيرًا، لا يملكون صفحات موثقة، ولا يتصدرون التريند، لكن أثرهم ممتد كالظل في الهجير، تجدهم في زاوية مهملة من الحياة، يزرعون بذور الصبر ويروونها بابتسامة، تجهل من أين جاءت!! ولا كيف بقيت بعد كل ما مروا به!!
هم أبطال، لا يسكنون شاشات السينما، بل يسكنون تفاصيل الواقع وحكاياته، ربما جارت عليهم الحياة لكنهم لم يجوروا على أحد، لا يرفعون صوتهم على الشكوى، بل يرفعونه على المحاولة وهم يدركون أن ما لا يقتلهم لا يُميت، الحلم فيهم بل يزيده شرارة.
لذلك.. لا تبحثوا عن المعجزة في السحاب، المعجزة تمشي بيننا على قدمين، حين نجد إنسانًا يرى في كل جرح درسًا، وفي كل عثرة فرصة، وفي كل ليل حلكة ميلاد فجر جديد.