أقطع سلسلة السير المحببة وأعتذر لك من يتابعني وأشكر دعمه غير المحدود لخواطري التي أردت لها أن تكون عفوية تتحرى الصدق وتحاول عبر استعراض ماضي شخصيات أثرت في فهمي للعالم وللفن في بلادي ان القي بعض الضوء على جوانب خفيه عن جيل جديد يسعى لاستلام راية الفن في وطنه ..
كانت الصورة المنشورة في الصحف الفترة الماضية لعدد من كبار القامات الثقافية المصرية مع قرار وزير الثقافة بـ (تعيينهم) أعضاء بالمجلس الأعلى للثقافة أثرا كبيرا على ما تبقي من مثقفين مهمومين بقضايا الوطن الكبرى وفي مقدمتها علاقة دولتهم بالثقافة التي كانت مصر من رواد نهضتها والتي مثل مثقفوها وفنانوها ضمير الأمة العربية كلها والتي حملت على عاتقها عبء نشر الوعي بنبذ التخلف بكل أشكاله ومحاولة اللحاق بعالم يعدو بسرعة فائقة نحو آفاق الحضارة والتقدم..
ويحار المرء كثيرا في فهم ما يجري؟! لماذا هذا التعامل مع الثقافة والفن في مجتمع يطمح للصعود وسط تحديات هائلة أخطرها المتربصين بموقع مصر الفريد في العالم والتي نحس وكأنه ثمة مؤامرة دائمة تحاك ضدها وأن قراراً قد أتخذ خارجها بتحالف واسع أن بلداً مثل هذه لا يصح أن تطفو وتنطلق كما أنه من الخطير أيضاً أن تغرق..!
لسنا بلداً يمتلك ثروة بترولية ولا معدنية ولكن نسعى لاستثمار ما لدينا من طاقات صناعية وسياحية وزراعية في ظل تطور العالم بسرعة مدهشة.
الأدب والفن والثقافة.. في مصر لا ينافسه أحد في المنطقة – حتى الآن – من يستطيع منافسة مصر في مجالها الفريد والذي لا ينضب رغم كل محاولات القضاء عليه بإغراءات لا تتوقف وضغوط لا تنتهي لا تهدف سوى (تسفيه) القيمة والقامات التي صنعتها مصر عبر عصور من الإبداع رغم المعاناة والألم.
ورغم اختلاف النظم التي حكمت مصر فقد حظيت الثقافة بمكانة متميزة ورغم أن المبدع بطبعه يكره فكرة السيطرة من أي قوى خارجية على مجاله الحر فإن المثقف المصري نشأ في رعاية الدولة المصرية وتربى على تقديرها واعترافها بإنجازه.. وكانت أزهى عصور إزدهار الثقافة المصرية تحت رعاية الدولة وفي ظل محدداتها القاسية أحياناً ولكن كل هذا لم يمنع أبداً من إنطلاق طاقات مخلصة لنفسها ووطنها فرأينا نهضة سينمائية ومسرحية تملأ دور العرض المملوك أغلبها للدولة.. ورأينا آلاف الكتب والمطبوعات تنشر وتوزع بأسعار زهيدة.. ورأينا موسيقي وفنا تشكيليا وفرق رقص عالمية ومعاهد عظيمة يتخرج منها مئات المبدعين ورأينا وزيرا كثروت عكاشة يعرف قدر الثقافة كمبدع كبير يرعي أجيالاً من المبدعين في كل مجال ورأينا عيداً للفن والعلم يتم فيه توزيع الميداليات على كبار الفنانين في جميع المجالات بما يرسخ عند الناس احترامهم وتقدير دورهم..
لذلك لا نفهم؟!
لماذا ميزانية أهم وزارة في هذا الوطن بهذا التواضع ؟ ولماذا يتم اختيار وزراء يجهلهم المثقفون قبل الشعب؟ ولماذا لا يأتي أي وزير حاملاً خطة لتطوير وزارته ووقف الهدر في مرافقها ومواردها أو نشاطها؟. ولماذا لا يحاسب أحد بعد سنين عن هذا الهدر؟
ما معنى وجود شركة لا تعمل ويتقاضي مجلس إدارتها مرتبات بلا عمل؟ ما معنى تعيين قيادات لا علاقة لها بالسينما في مجال السينما ولا علاقة لها بالثقافة في مجال الثقافة؟
ما معنى إغلاق بعض المراكز ثقافية وتصفية بعض دور عرض هل انتهى عصر الثقافة المجانية وهل أي مؤسسة لثقافة الشعب لابد أن تحقق ربحاً !! لماذا هناك شح في التمويل لمهرجانات سينمائية ومسرحية وأدبية جادة في المدن الصغيرة والأقاليم ؟ ثم في النهاية:
ما معنى اختيار السيد الوزير لهذه الأسماء التي نكن لها كل الإحترام كمجلس أعلى للثقافة وقد أنقطعت علاقة بعضهم بالثقافة المعاصرة إما لكبر سنهم أو لبعدهم عن المجال؟
والأهم:
ما هو الدور المنوط بهذا المجلس القيام به؟ هل هناك توصيف وظيفي (job discription) ؟
أنشاء المجلس كان أصلاً كبديل لوزارة الثقافة التي اقترح السيد (منصور حسن) أن تتحول إلى وزارة وظيفتها تنفيذ سياسات يضعها المجلس الأعلى للثقافة على أن تكون القيادات ممثلة لكل القطاعات والأنشطة الثقافية ومعبرة عن تنوعها ومنتخبه في معظمها ..فهل هذا ما يحدث ؟!عندما ينفرد السيد الوزير بتعيين الجميع؟