هناك نفوس تسير في هذه الحياة بخفة لا يثقلها الحقد، ولا يشدها الحسد، ولا تسكنها رغبة التلصص على أرواح الآخرين، نفوس تتنفس خيرًا وتزفر طمأنينة، لا تنشغل بورقة غيرها، لأنها مشغولة بتقليم أغصانها، وسقاية جذورها، ورعاية ثمارها، تعيش بيننا بصمت، لكنها حين تمر تترك خلفها طيفًا من راحة، ونسمة من طُهر.
أولئك الذين لا يعرفون التنافس إلا مع أنفسهم، لا يقيسون أعمارهم بأعمار الناس، ولا نجاحاتهم بمساطر المقارنة، فهم يدركون أن الطريق الأجمل هو ذلك الذي يرسمونه بأقدامهم لا بعيون الآخرين.
لا يفتشون في تفاصيل غيرهم، ولا يعبثون بخيوط حياة ليست لهم، لأنهم مشغولون بحياكة قماش أيامهم بما يناسبهم، لا بما يرضي المتفرجين.
النفوس السليمة لا تصنع الضجيج، بل تمضي في هدوء، كأنها تعرف أن السلام النفسي لا يعلو صوته، وأن أجمل الحكايات تُروى في صمت.
لا تملك وقتًا للخصام، ولا طاقة لتفسير نواياها لمن يسيء الفهم عمدًا، ولا رغبة في كسب معارك لا معنى لها، لأنها لا تقاتل، بل تعيش.
تختار أن تكون عابرة في صراع لا يعنيها، شاهدة لا مشاركة، وأن تضع نقطة في نهاية جملة غير مفهومة بدلًا من أن تعيد كتابتها مرارًا.
هم أولئك الذين يحبون الخير للغير، لا لأنهم ينتظرون المقابل، بل لأن قلوبهم صالحة للاستخدام الآدمي، يحبون الخير لأنه يشبههم، يفرحون لنجاحات الآخرين كأنها انتصاراتهم، ويرحلون عن المشهد إن فاحت منه رائحة الغيرة أو شوائب الحقد.
في عالم يحترف الصخب، اختاروا الصمت، في زمن يتغذى على المقارنات، آثروا الاكتفاء، وفي مجتمعات تراقب بعضها من شقوق النوافذ، أغلقوا نوافذهم، وفتحوا نوافذهم على الشمس.
لم يخسروا شيئًا، بل كسبوا أنفسهم، في زمن تشتعل فيه النفوس، حافظوا على برودة أرواحهم، وسلام قلوبهم.